المسار المتوسط الجامعات ٢ – التنظيم العملياتي

بسم الله الرحمن الرحيم

مدونة  ٩

يتكون اقتصاد الدول من قطاعات مختلفة يشكل كل قطاع بيئة متكاملة من المؤسسات الصناعية والخدمية. وتتعقد العلاقات بين مؤسسات القطاع الواحد و تزداد تعقيدا بتفاعلها وتكاملها الأوسع مع مؤسسات القطاعات الأخرى.

فإذا أخذنا القطاع الصحي ابتداءا، تبرز المؤسسات التالية وذلك على سبيل المثال لا الحصر:

وزارة الصحة بأقسام الطب الوقائي والعلاجي والاوبئة وغيرها من الدوائر الفرعية

مؤسسة مواصفات ومقاييس الغذاء والدواء

المستشفيات والمختبرات والعيادات العامة والخاصة

مصانع الأدوية وشركات توزيع الأدوية، ومحلات بيعها للمواطنين من صيدليات وغيرها

الجامعات  التي تدرس الطب ، وكليات الطب والمهن الطبية المساعدة مثل التمريض والعلاج الطبيعي

النقابات والجمعيات المهنية مثل نقابة الاطباء ونقابة الممرضين

جمعية شركات الاستشارات ذات العلاقة

شركات التأمين الطبي

 تبرز كذلك مؤسسات من قطاعات أخرى ومؤسسات دولية لها دور هام في دعم تقديم الرعاية الطبية للمواطن مثل:

مؤسسات الدفاع المدني

مؤسسات الشرطة

وزارة البيئة وشرطتها

المؤسسات الرياضية والعلاج الطبيعي

مؤسسات الإحصاء

المؤسسات الدولية

يستحق كل قطاع رئيسي في الدولة أن يخصص له جامعة عامة، تتحقق خلالها نهضة هذا القطاع وذلك بإحياء التعلم واحياء الثقافة فيه. وتصبح هذه الجامعة مركزا لأبحاث القطاع وحل مشاكله ومراكمة خبراته، كما وتعمل هذه الجامعة بوابة للعلاقة مع المؤسسات والجامعات الإقليمية والدولية العاملة في نفس القطاع، تتبادل معها المعرفة والأبحاث والدراسات والنتائج ومقاييس الأداء المعتمدة لتقييم أداء القطاع، وذلك حتى نكون متناغمين مع العالم الذي نعيش فيه ونستطيع كذلك تقييم تقدمنا وإنجازاتنا بمساطر وموازيين دولية، مثل عدد الوفيات لكل ألف مولود ومعدل عمر الفرد وإحصاءات الحالة الصحية مثل نسب أمراض سوء اللياقة والوزن مثل السكري وضغط الدم.

تتحول هذه الجامعة إلى مصنع لإنتاج قادة ومدراء ومفكري القطاع، جاهزين للعمل والإنتاج خلال وقت قصير ، لأن تدريبهم وتعليمهم ارتكز على دراسة وفهم عمليات مؤسسات القطاع وتحسينها.

من الممارسات الدولية التي يجدر ذكرها هنا أن الجامعات اليابانية تطلب من كل خريج ان يقدم ثلاث تحسينات جديدة لمنتج او خدمة يابانية، يقبلها صاحب المنتج أو الخدمة، أي أن المهندس الإلكتروني مثلا لا  يستطيع التخرج حتى يقدم ثلاث تحسينات على جهاز إلكتروني ياباني، تقبلها الشركة اليابانية المنتجة لنفس الجهاز مثل سوني أوتوشيبا أوغيرها. وينطبق هذا على القطاعات المختلفة

تخيلوا مئات آلاف التحسينات المجانية التي تضاف إلى منتجات وخدمات اليابان كل عام، وذلك بوضع وتفعيل مثل هذه السياسة البسيطة، وتخيلوا وحجم البحث والتطوير الحقيقي الذي تطلقه هذه الممارسة في الجامعات اليابانية مقارنة بجامعاتنا التي يشتري طلبتها الأبحاث المطلوبة منهم من المكتبات القريبة من الجامعة، أبحاثا مكررة لا قيمة لها لأحد.

وللاستفادة مما سبق، يجب ان تقوم جامعة كل قطاع بطلب ثلاثة تحسينات  جديدة، او اكثر، على عمليات القطاع من كل خريج من الجامعة،  على ان تقبل هذه التحسينات من المجلس الاعلى للقطاع، ليتم اضافة ما يتم قبوله واقراره منها الى العمليات الحالية ، ونحصل بذلك على تراكم الخبرات ومن ثم التفوق. ويكون لتدوير الموظفين بين العمل التنفيذي والجامعة فائدة كبيرة في تحديث معلومات الموظفين بما استجد من علوم في الادارة في القطاع المعني، وكذلك الاستفادة من خبرات الموظف العملية وتفريغ افضلها في العمليات التي هي مخزن المعرفة، كما ذكرنا سابقا.

نتيجة لذلك، يبدأ الطالب الجديد في جامعة القطاع بدراسة عمليات القطاع  الافضل والمعرفة الاحدث والتي تراكمت فيها خبرات من سبقه.

قامت نهضة سنغافورة على إنشاء مجالس قطاعية، تتشكل من ممثلي نقابات وجمعيات القطاع الأهلي أوالخاص بنسبة سبعين بالماية، ومن ممثلي القطاع الحكومي أوالعام بنسبة ثلاثين بالماية. يضع المجلس القطاعي استراتيجية القطاع تحت مظلة الاستراتيجية العامة للدولة التي يضعها بيت النهضة.

الشكل (1)

نقتبس هنا هذه التجربة الناجحة ونضيف إليها جامعة القطاع بحيث تتبع جامعة متخصصة لكل مجلس قطاعي، ونبين ما ذكرناه في الشكل التالي:

 

الشكل (2)

ويتشكل مجلس أمناء جامعة القطاع الصحي ممن يختارهم المجلس الاعلى للصحة، وتقوم النقابات وبنسب مختلفة بتمويل المجلس والجامعة القطاعية، إضافة الى التبرعات والأوقاف ورسوم الطلبة الدراسية والمخالفات والغرامات المتعلقة بالقطاع. وتساهم الحكومة بنسبة تمثيلها في المجلس كحد اعلى حتى لا تسعى الى السيطرة عليه ماليا.

تكون قرارات المجلس الاعلى لكل قطاع،  إلزامية لكل مكونات القطاع واهمها المكون الحكومي، اي اننا نريد ان يكون مجلسا له صلاحيات كاملة وليس مجلسا استشاريا كما جرت العادة.

تنهض الأمة بنهضة قطاعاتها المختلفة، وتنهض القطاعات بإحياء علومها وإحياء ثقافتها من مهارات وحرف ومهن وصناعات، وإحياء لغة الأمة ومفرداتها لتخدم القطاعات المختلفة وليطلق مفردات القطاع التي تطلق بدورها التفكير والإبداع، أليست المفردات لبنات بناء الافكار؟ وكيف نتوقع أن ينطلق الفكر دون توفر عناصره؟

وتستقطب الجامعة كذلك خبراء وخبرات أبناء الأمة والأمم الأخرى لنقل وتوطين المعرفة في بلادنا ومراكمتها وصولا إلى التفوق، وهكذا تكون الجامعة حاضنة لنهضة قطاعها ومركز إبداعه تقوم ببناء وحفظ وإدامة المحتوى المعرفي والقواميس الخاصة بقطاعها.

وهنا اود ان يقوم خبراء كل قطاع  في كل دولة من الدول النامية، بتجميع انفسهم في هيئة تاسيسية لقطاعهم، تقوم بجمع اسماء المؤسسات والخبراء والاساتذة الافضل المرشحين لشغل مناصب المجلس الاعلى للقطاع ولجامعة القطاع، تمهيدا لعرضها على المسؤولين في بلدهم لاعتماد هذا المقترح ولتخصيص جامعة للقطاع ، لتبدأ نهضة منهجية للقطاع.

سنتحدث في المدونة التالية عن الجامعات 3– التنظيم العملياتي.

نسأل الله التوفيق والرشاد

7 Comments

Filed under عربي

7 responses to “المسار المتوسط الجامعات ٢ – التنظيم العملياتي

  1. Susan Kilani

    الخال العزيز
    أشكرك فكل مدونة تطلقها تطلق معها آهاتنا وهذه على الأخص لامست ألمي وأحلامي وهي مجرد تعبير عما يجول في نفسي الآن..
    كنت دوماً تقول إن قوة الأمة من قوة قطاعاتها المختلفة. وإذ لا بد لها من إحياء علومها وإحياء ثقافتها فلا بد لها كذلك من إنشاء مراكز الخبرة داخل هذه القطاعات او كما كنت تسميهم بالطبقة الوسطى أو العقل ( Think Tank) ليس فقط باستقطاب الخبراء من خارج القطاع او من خارج البلد كما هو الحال الآن بل بفتح المجال أمام كل من يرغب بتسخير علمه أو وقته أو ماله لهذا الهدف. فكم منا قد تركوا مواقع عملهم بما تراكم لديهم من خبرة عبر سنوات عديدة. هؤلاء في الغالب قلما يستفاد من خبرتهم، علماً بأن معظمهم بات يمتلك الوقت الذي يمكنه من التفكير المنهجي والتروي في إصدار الحكم والقرار بعد أن كان خلال وظيفته مثقلاً بالأعباء التي تجعله مشتتاً مرهقا. فلدينا الوزراء الخبراء والفنيين والسياسيين وغيرهم، واراهم يراقبون هموم قطاعاتهم من الخارج بألم ينتظرون أن يطرق بابهم ليهبوا للمساعدة لا لشيء إلا لأن كل منا يحلم بتحقيق أهدافً سامية تبرر إنسانيتنا وخلافتنا للأرض.
    كما أشكرك على تضمين بعض الرسوم التوضيحية التي تضفي الحيوية على محتويات المدونة القيمة
    كل التقدير ودوام التقدم والازدهار
    سوزان الكيلاني

    • الغالية سوزان،

      ان من لديهم التفوق الدراسي والعملي من مثلك في المجالات المختلفة، هم اساتذة جامعة قطاعهم ، وهم كنوز معرفة الامة، لتملكهم خبرة عملية نادرة في بلادنا ، معترف بها محليا ودوليا، وان قطاع المياه الذي عشت عمرا منتجا فيه، هو من اهم قطاعات نهضة امتنا، بل هو اساس وجود الحياة نفسها وادامتها بدليل الاية الكريمة ” وجعلنا من الماء كل شئ حيا””
      صدق الله العظيم
      اشكر لك مساهمتك ودعمك واتمنى ان نعمل جميعا على التفكير بتفصيل مجالسنا وجامعتنا القطاعية وكل تجهيز يسارع نهضتنا

  2. حمدالله مبارك

    السيد خالد الكيلاني المحترم
    تعتبر هذه المدونة البداية التفصيلية لنموذج النهضة والتي تنقلنا من عصر النوم الذي استمر لقرونا عديدة إلى عصر الانتباه أو استرداد الوعي ( منقولة من مالك بن نبي ) ، حيث تناولت العملية التعليمية من منظور قطاعي والذي يحقق ما يلي
    زيادة التخصص في التعليم وتخريج موارد بشرية تنهل المعرفة من بحر وليس من صخر كما هو حاليا
    – إن هذا الأسلوب التعليمي يساعد الطالب في الطور الاجتماعي (الجامعي وما بعد الجامعي) حيث يحاول الطالب أن يقيم في داخله الربط بين عالم الأشياء المحسوسة والملموسة وعالم الأسس والنظريات والأفكار ، حيث سمعت يوما من ابنة لي اسمها مجد ” إن 90% من الطلبة لا يتعلموا إلا بالمحسوس ” ولا يمكن ان يكتسبوا شيئا في المجرد.
    – ان الأسلوب المقترح يعزز الناتج الحضاري الذي تنطبق عليه الصيغة التالية: الناتج الحضاري= موارد بشرية + قطاع اقتصادية + أنظمة إجرائية . وهنا اقترح ان نبدا بالقطاعات المهمة ذات القيمة المضافة العالية
    – زيادة الابحات ومشاريع التطوير في القطاعات ، حيث يستخدم الباحثون أسلوب الضغط والدفع في تطوير الأبحاث وبالتالي تصبح عملية تطوير الأبحاث بأسلوب الطلب او السحب From push to pull method
    – إمكانية الاستفادة من الخبرات المتوفرة في القطاعات الاقتصادية
    – إمكانية إيجاد شراكات قطاعية في مجال التعليم

  3. اخي الدكتور حمدالله حفظك الله
    ستشمل المدونة القادمة ان شاء الله تفاصيل البناء الجامعي العام مع تغطية للتخصص القطاعي، وتشمل هذه المدونة وما يتبعها خطوات عملية تنفيذية يمكن لاية دولة اعتمادها ان شاءت

    اشكر لك مساهماتك القيمة وجزاك الله والجميع كل خير

  4. الاستاذ الفاضل / خالد الكيلاني حفظه الله

    ان ربط مخرجات التعليم بقطاعات التنمية مرتكز اساسي للنهضة كما اشرتم في مقالتكم الرائعة وهنا تجدر الاشارة الى مثال واقعي يحدث في منطقتنا العربية وهو تبني الطاقة النووية السلمية كمصدر للطاقة ولكن ما نراه حاليا هو تشكيل هيئات حكومية مستقلة تقوم على وضع الخطط والبرامج لتنفيذ هذه الرؤية في حين ان عمليات التنظيم العملياتي التي تفضلتم بشرحها لم تحدث من حيث توطين المعرفة وايجاد تخصصات عملية خاصة بالطاقة البديلة والتواصل مع كافة الاطراف المعنية وما يحدث الان هو ننظيم
    اداري وخطوات متسارعة بسبب غياب التخصص وفي نفس الوقت يسرع العالم المتقدم نحو الاستغناء عن هذه الفكرة بعد كارثة فوكمشميا

    ان وجود الجامعة المتخصصة الرافدة للقطاعات الحيوية وسيلة رائعة لادارة المعرفة وتبادلها لدعم صنع القرارات وبذلك نبتعد عن الصورة الذهنية لاستاذ الجامعة بأنه أكاديمي فقط بل هو مصدر للمعرفة و شريك في صنع القرار

    مع الشكر الجزيل لكم

  5. جميل جدا

    الفكرة الجوهرية هي في تكامل مؤسسات الجامعات مع احتياجات البلد وتطويرها
    هكذا تصبح الجامعات فعالة وتقوم بدورها

    وأعجبتني جدا فكرة الاهتمام باللغة العربية وتوطين المعرفة
    وهذه كانت فكرة حلقتي ومقالي عن مشروع التعريب

    http://bit.ly/kk32wV

    تحياتي

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s