بسم الله الرحمن الرحيم
مدونة ١٦
انطلق العرب من جزيرتهم يحملون الى العالم رسالة الاسلام ، رسالة عالمية بلغة عربية ناضجة، رسالة تحمل المساواة والعدل، قال ص ” الناس سواسية كاسنان المشط“ولم يقل المسلمون سواسية، رسالة التكريم فيها للانسان عامة، وبنص القرآن الكريم “ولقد كرمنا بني آدم ” وتكرر التكريم للنفس البشرية في مواضع كثيرة، مقارنة بما ساد في تلك الفترة من ظلم وجور، ونصت ثقافات الامم السابقة من يونان ورومان على المساواة بين الاشراف، مساواة لا يتمتع بها عامة الشعب او العبيد .
تقبلت الامم هذه الرسالة المتفوقة في انسانيتها السابقة لمفاهيم زمانها، وهذه اللغة القادرة البالغة، فاذا بالعربية تحل مكان السريانية والكلدانية والنبطية في بلاد الشام والعراق، وتحل مكان اليونانية والقبطية في مصر، واختلطت وعايشت لغات امم اخرى في فارس والهند والاندلس.
يقول أرنست رينان في كتابه تاريخ اللغات السامية: “إنه لم يمض على فتح العرب للأندلس أكثر من خمسين سنة حتى اضطر رجال الكنيسة لترجمة صلواتهم بالعربية ليفهمها أتباع المسيح” ،
تواجدت لغات قديمة في العالم مثل اللاتينية والالمانية القديمة. تفرقت اللاتينية الى الاسبانية والفرنسية والبرتغالية والايطالية وغيرها، وماتت كلغة حية، وكذلك الالمانية القديمة التي تفرقت الي حوالي عشرين لغة من المانية وانجليزية وهولندية والى معظم لغات شمال اوروبا. ولكن بقيت اللغة العربية صامدة متماسكة، رغم الهجمات الشرسة عليها ومحاولة الغائها خلال الصراعات الكثيرة مع الصليبين والمغول والتتار، واخيرا امام الطورانيين او القوميين الاتراك في فترة انهيار الامبرطورية العثمانية
.دعمت الامبراطوريات الاسلامية اللغة العربية في مناطق حكمها وانتشر الدعاة داخل وخارج الامبراطوريات من راشدية واموية وعباسية وغيرها، واستوطنت اللغة ومعها الدين البلدان المفتوحة، واطلق جو الحريات والمساواة عبقرية مواطني الامبراطورية في شتى العلوم والفنون وكان اهمها علوم اللغة العربية، فكان اكبر علماء النحو هو سيبويه من فارس، وكان اشهر المترجمين من ال اسحق وبختيشوع وغيرهم من شتى الاديان والجنسيات، وكان الفارابي الفيلسوف الطبيب الفيزيائي الموسيقي من اصل تركي، ويعجز المكان عن حصرهم، يعملون في تناغم لبناء الثقافة الاسلامية العربية التي تعيشها حيثما ارتحلت في هذا البحر الاسلامي الفسيح، تشعر فيها بوحدة الثقافة والانتماء، فالقاهرة وتونس لا تختلفان في عاداتهما وحياتهما وعقائدهما عن اسطنبول او طشقند، منذ ان كانت لغة ثقافتهم واحدة .
لم تهتم الدولة العثمانية باللغة العربية اهتمام من سبقها من امبراطوريات، وما ان انسحبت من مناطق امتدادها وسيطرتها حتى انحسر الدين والتأثير من تلك المناطق. وبالتالي الثقافة والانتساب، او بقي الدين ضعيفا عرضة للتبديل والتبشير
ولقد تنبه الغرب الى اهمية توحيد اللغة، فقام ملك فرنسا فرنسيس الاول عام ١٥٣٩ باعتماد الفرنسية لغة موحدة لفرنسا
وقام الفونسو العاشر ملك اسبانيا في القرن الثالث عشر باعتماد القشتالية لغة موحدة لاسبانيا
و كانت روما قد فرضت بين سنة اربعماية الى سنة ماية قبل الميلاد، لغة لاتيوم القريبة من روما على الاراضي التي تحكمها واصبحت اللاتينية لغة معظم الدول الخاضعة لروما والمطلة على البحر الابيض المتوسط
وحديثا قامت الدول الامبريالية بفرض لغاتها، دون حرية او عدل او مساواة، على الدول المحكومة، بهدف تدمير الثقافات المحلية لمنع احياء هذه الثقافات وبالتالي منع نهضتها. ولقد تم زراعة الانجليزية والفرنسية والاسبانية والبرتغالية في المستعمرات، التي اصبحت مرتبطة ارتباطا ثقافيا وسياسيا وبالتالي اقتصاديابالدولة الامبريالية ارتباط المقلد التابع الضعيف، وقام التبشير بزرع دين الامبريالي بسهولة اكبر بعد زرع اللغة فاستكمل المستعمر سيطرته على امم كثيرة
منذ فترة انهيار الدولة العثمانية وحتى الآن، اي ابتداء من منتصف القرن الثامن عشر، تدهورت مكانة اللغة العربية في المجال العلمي، توقف العمل على تحديث مفرداتها العلمية، واصبح التعليم العلمي في المنطقة العربية يقدم باللغات الاجنبية، تحت اشراف المستعمر. وتم غرس عجز اللغة العربية عن مواكبة التقدم والحضارة في وعي الامة وتم قرن وربط الثقافة الاسلامية ولغتها بضعف الامة زورا وبهتانا
فتح ضعف وتهاون الدول العربية في بناء تعليم حكومي كفؤ، الباب امام انتشار التعليم الخاص، بشكل واسع ولاهداف تجارية بحتة، اتجهت اليه الطبقة المتوسطة العليا والطبقة الميسورة وهما القادرتان على تحمل مصاريفه، ومن هذه الطبقة غالبا ما يتخرج قادة الامة ومفكريها ورجال الاعمال فيها
تبنت هذه المدارس الخاصة المناهج الاجنبية وبلغاتها، وعوملت اللغة العربية خاصة والثقافة الاسلامية عامة على استحياء، ولذلك يتخرج قادة الامة ومفكريها ومتعلميها بثقافات ولغات وولاءات شتى، اغرابا عن امتهم، اشتاتا في افكارهم، عاجزين عن التفاهم والاتفاق، يروجون عن علم او عن جهل لالغاء لغتهم والتخلي عن ثقافتهم والامل في نهضتهم، وهكذا تسير امتنا عكس حركة التاريخ في توحيد نفسها على لغة وطنية جامعة لفكرها وثقافتها ونهضتها
واخيرا، اذا استطاعت العربية، التي لم تكن لغة حضارة في ذلك الزمان، واقتصرت مفرداتها على الشهامة والبطولة والفروسية والجمال والغزل، توليد مفردات تكفي لترجمة واستيعاب علوم من سبقهم من الامم، علوم تمت ترجمتها بسهولة ويسر، واصبحت العربية هي المخزن الاشمل والمحتوى الاكمل للثقافة العالمية والمصدر الوحيد الباقي لكثير من مؤلفاتها، وسادت العربية العالم ثمانماية سنة، لغة الدوواين والحكم، ولغة الادب والفن والعلم، الا نستطيع تكرار ذلك وفي عصر توفر الحاسبات والاتصالات؟ ولغتنا توفر مفردات بالملايين لمن شاء ان يعمل
ما الفرق بين المفردات المستعملة في العلاقات الانسانية والمفردات المستعملة في العلوم؟،
سأناقش في المدونة التالية الفرق بين لغة التخاطب الاجتماعي واللغة العلمية واين وقع الخلل
نسأل الله التوفيق والرشاد
جميل جدا يا بشمهندس
أتابع المدونات باستمرار ..
ومتشوق لمعرفة المدونة القادمة حول الخلل الذي حصل بين لغة التخاطب واللغة العلمية
تحياتي لك وجزاك الله خيرا على هذه المعلومات القيمة 🙂
تحياتي
هيثم
اخي الفاضل هيثم
اشكر لك دعمك المستمر، نرجو الله ان يتقبله علم ينتفع به
مدونة رائعة و تمس وتر حساس, ألا تسطيع لغة القران استعاب مفردات العلم الحديث !!!!!
اخي محمد
كل عام وانت ومن تحب بكل خير
اشكر لكم ملاحظتكم التي تلخص المدونة
ارجو المساعدة في ايصال المدونة لعدد اكبر من الناس وان يبدا القارئ من المقدمة ثم المدونات لتسهيل رؤية المنهجية
مع تحياتي
تحياتي……….ابو احمد
الله يقويك على اعداء اللغة العربية
خالد الصانع
الاستاذ الفاضل خالد الكيلاني
موضوع رائع ،،،،، وهنا أقول أن لغتنا تعاني ضغوطا من عدة جهات فهنالك شيوع اللغات الاجنبية كما تفضلت وخصوصا في النظام التعليمي نتيجة ضعف الانتاج المعرفي باللغة العربية ، اهمال خطط تطوير الانظمة التعليمية لدور واهمية اللغة العربية ، بالاضافة الى استخدام اللهجات الدارجة على حساب الفصحى والاسباب كثيرة
مفارقة غريبة قد تفسر لنا حال لغتنا اليوم ………كان العرب يرسلون أبنائهم الى مرضعات في البادية من أجل التمكن في اللغة واليوم يلقون بهم في أحضان خدم المنازل القادمين من شرق آسيا ……
كل الشكر لكم
ياسر النسور
اخي ياسر
مقارنة رائعة بين فصاحة البادية وركاكة اللغة التي نقدمها لاطفالنا خلال الخادمات
اشكرك كما دائما والجميع على مشاركاتكم ودعمكم للمدونة
خالد الكيلاني