عناصر قوة ثقافتنا – الاسلام والديمقراطية

بسم الله الرحمن الرحيم

مدونة ٢١

تتصارع الافكار والاتجاهات السياسية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ المنطقة الاسلامية، ونرى ان الصراع الرئيسي ينحصر في معظمه بين فريق يطالب بالفصل الكامل بين الدين والسياسة، ويقول ان الاحزاب الدينية غير ديمقراطية وان أمسكت الحكم فلن تتركه بعد ذلك، وان الحل يكمن في ديمقراطية علمانية كاملة، وحقوق متساوية للناس على اساس المواطنة مع حفظ حقوق الاقليات. ويقول الفريق الآخر ممثلا بالاحزاب التي انبثقت عن الجماعات الدينية، اننا نقبل الديمقراطية ولم يسمح لنا سابقا بالحكم حتى حين فزنا بانتخابات ديمقراطية حرة مثل الجزائر أو فلسطين، إذ قامت المجموعات العلمانية بحرماننا من حقنا حكما على النوايا ومارست علينا ما ادعت اننا سنقوم به اذا نجحنا، وتحولت النظم العلمانية الى دكتاتوريات مزمنة فاسدة، وها هي تركيا مثالا على نجاح الاحزاب الاسلامية في ادارة الدول والاقتصاد مع الالتزام الكامل باصول اللعبة الديمقراطية

لقد وضع الاسلام قوانين عامة لتحديد طبيعة نظام الحكم، وترك وضع تفاصيل عملية اختيار نظام الحكم للناس، ونص القرآن الكريم على ان من لم يلتزم باحكام الاسلام فعقابه في الآخرة شديد و نقطة عقاب الاخرة هامة جدا في التحليل المقترح التالي

يعرف كل من اطلع على الاسلام، انه دين ودنيا، بعكس تعريف المسيحية مثلا على انها دين فقط وان شريعتها وقوانينها موجودة في اليهودية. فمن غسل اطرافه من المسلمين بنفس خطوات الوضوء دون نية الوضوء، فقد استفاد النظافة، ومن نوى الوضوء فقد فاز بالثواب ايضا لنفس العمل، ومن هذه الامثلة الكثير الرائع في كتاب العلامة رئيس البوسنة الراحل على عزت بيغوفيتش رحمه الله، الاسلام بين الشرق والغرب. وهنا يأتي النظام الديمقراطي نظاما يحقق ميزات الديمقراطية دنيويا، فاذا انتخبت الامة نوابا يمثلون دينها، ضمن العملية الديموقراطية بشكلها الدنيوي، وصوت هؤلاء النواب على تطبيق القوانين الواردة في الاسلام كقوانين وضعية، فقد فازوا بالدنيا والاخرة ، ومن لم يفعل فعقابه في الآخرة كبير..

فرض الله الحج مثلا ليقوم به من استطاع اليه سبيلا مرة واحدة في الحياة، وبين الاسلام تفصيل العبادات وحددها تحديدا أبديا لا يقبل التأويل والتغيير مع تغير الزمان والمكان، بينما لم يفصل الاسلام نظام الحكم مقارنة بتفصيله للحج، مع ان حكم الامة يتعلق بحياة كل الناس وخصوصا اهل عدم الاستطاعة وهم اغلبية الناس، وراعى تنوع ظروف البلدان جغرافيا واقتصاديا واجتماعيا، حتى لا يصبح التفصيل تعقيدا وقيودا للحكومات ولأولي الامر، حتى لا تستحيل تغطية واستيعاب الاحتياجات الجديدة في النظم والعمليات والتقنيات في دين يصلح لآخر الزمان، وحتى لا يصبح كل ما لم يذكر في النص بدعة وحراما وبالتالي قيدا لانطلاق الامة.،

ولما كان الاسلام دينا خاتما، ملبيا لاحتياجات الناس حتى آخر الزمان، كانت الحاجة الى احكام عامة والى ترك مساحة وحرية حركة للامة.

والاحكام العامة القائمة لكل الازمان حسب الاسلام هي كما يلي

الشورى

وضع الله عز وجل الشورى بين ركنين عظيمين من أركان الإسلام،وهما الصلاة والزكاة

والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون

سورة الشورى ٤

وجاء في الحديث الشريف، فحض الناس على التشاور حتى تصل الى الحق

لا تجتمع أمتي على ضلالة

ما خاب من استشار

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله

وهو الذي لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فما بالك بالخطائين؟؟

وحدة القيادة

وهذه من اهم عناصر علم الادارة

جاء في الحديث الشريف

إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم

حرية الاعتقاد

لا اكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغي

وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها”

والعقاب ترك لرب العالمين في الآخرة

أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين

لست عليهم بمسيطر الا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الاكبر

ومرة اخرى العذاب في الاخرة لمن لا يؤمن او يلتزم

ادب الحوار.

ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك

وجادلهم بالتي هي احسن

النحل ١٢٥

الناس متساوون وليس المسلمون فقط

الناس سواسية كاسنان المشط

وفي خطبة الوداع قال ص كلكم لآدم وآدم من تراب

الناس محفوظة انفسهم واعراضهم وممتلكاتهم

من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكانما قتل الناس جميعا

وكيف عاقب عمر بن الخطاب ابن عمرو بن العاص في قبطي أساء إليه، وكيف صرف عمر بن الخطاب معاشا لغير المسلمين من بيت المال أسوة بالجميع

الامة لا تخطئ في اجتماعها واجماعها على رأي

لا تجتمع أمتي على ضلالة، وهذا ما يجعل ممثلي الامة، هم ميزان الحق والضلال

وهناك ايضا مقوله” ألسنة الخلق أقلام الحق” وهو كلام لبعض الصوفية وليس حديثا نبويا ولكن المعنى صحيح كما ذكر ذلك مؤلف كتاب المقاصد الحسنة

التقييم الموضوعي للناس

يقول الرسول ص خير الناس انفعهم للناس

ويقول ايضا، دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي اطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الارض، ودخل رجل الجنة في كلب..

وهنا ايضا نتحدث عن الناس وعن امرأة وعن رجل بغض النظر عن العقائد والاجناس

وفي تقييم الرسول ص للروم، يظهر الفكر الاسلامي النموذجي في التحليل الهادئ للآخر واحترام حسناته وعدم مهاجمته بالاجمال

ما رواه مسلم عن المستورد القرشي عند عمرو بن العاص سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : تقوم الساعة والروم أكثر الناس . فقال له عمرو : أبْصِر ما تقول ! قال : أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالاً أربعا : إنهم لأحْلم الناس عند فتنة ، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة ، وأوْشَكهم كَـرّة بعد فـرّة ، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف ، وخامسة حسنة جميلة ، وأمنعهم من ظلم الملوك .



مرونة الالتزام

وإذارأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحاجة الى إيقاف أو تعليق أحكام قرآنية مثل حد السرقة أو دفع الزكاة إلى ضعاف الإيمان (المؤلفة قلوبهم) لظروف اقتصادية أو غيرها، فمن يستطيع ذلك اليوم في دولة يحكمها الشرع، حتى لو برزت الحاجة واضحة لذلك، وكيف يقوم مسلمو هذا الزمان او ما يليه، وامم المناطق العديدة، المختلفة الظروف والاحتياجات والاولويات، بالتصرف بهذه المرونة؟

تطرح الأدلة التي سبقت، استفسارا واحدا رئيسيا:

ما هي آلية تحقيق ما سبق في دولة حديثة ممتدة جغرافيا وسكانيا؟.

وهنا تتضح آلية مرنة، مدروسة مجربة، تصلح لنا ولغيرنا، وهي افضل آليات الحكم الموجودة حاليا كما قال تشرتشل، الا وهي الديمقراطية الغربية، ويكون واجب علماء الامصار العمل على وضع الحكم الشرعي الذي يحل مشكلة معينة، على شكل مشروع قانون، ومن ثم تسويقه للامة وشرح فوائد الالتزام بها في الدنيا والآخرة، ويقوم نواب البرلمان بالتصويت على مشروع القانون المقترح، فان فاز بالتصويت اصبح قانونا وضعيا، يصح مناقشته وتعديله والغاؤة، ويصبح اجماع الامة هو فاروقها، ويصبح ميزان الحق اجماعها، ومن كانت نيته طاعة الله في التصويت لهذا القانون ، فإنه يحقق مكسبا أخرويا أيضا.

ويمكن ان تكون هناك مشاريع قوانين يضعها المشرعون للامصار او الولايات، وتختلف لنفس الموضوع باختلاف المكان، وكما كان لابن حنبل رحمه الله، وكان قاضيا، حكمين مختلفين لنفس الذنب في زمانه لاخذه اختلاف المكان بعين الاعتبار، فكان اقسى على اهل المدينة، لانهم اهل دين والتزام ومجاورة للرسول ص، وكان اقل قسوة على اهل البصرة كميناء يجمع الاغراب ولنفس الذنب

وهنا يضطر علماء الدين ان يجهدوا في سبيل مواكبة التغيرات الهائلة التي تحدث في الحياة واساليبها وادواتها وتقنياتها، وان لا يكتفوا باطلاق شعارات عامة مثل الحل هو الاسلام، وتحريم البدع، والمحدثات على اطلاقها، وما ينتج عنه من ابتعاد الاجيال الشابة عن عقائدها وبالتالي اضعاف ثقافة الامة لدى ابنائها، ولعل ذلك يتحقق خلال جعل شهادات العلوم الشرعية شهادات جامعية ثانية، ليتخرج للامة علماء يفتون عن علم في مجالات تخصصاتهم. بعد ان يكون تم انتقاؤهم من اذكى ابناء الامة كما كانت دائما وكما ذكرنا في مدونة الوقف الاسلامي سابقا

ولقد علمنا التاريخ الاسلامي وقبله المسيحي ان اجتماع السلطة الدينية والدنيوية بيد شخص واحد او جهة واحدة، يعطي هذه الجهة سلطة هائلة مطلقة، تكون كما كانت دائما مدعاة لمفسدة مطلقة

وعلماء الامة هم ضميرها، وهم اركان المؤسسات الشرعية الاهلية، من اوقاف وصدقات بأنواعها، ودعاة للدين ، وحماة للغة وما اجمل ان يعملوا على التركيز على اعادة بناء النفس السوية للمسلمين والآخرين، واطلاق الاوقاف ومؤسسات المجتمع المدني اللاحكومية واعادة اطلاق الخير في الناس. وهذا ما سيجعل تطبيقنا للديمقراطية انجح واعظم

ان اجماع الامة ميزان الحق، واذا اجمعت الامة على باطل فهي ليست الامة التي عرفها الرسول ص في حديثه الشريف، وتعاقب الهيا في الدنيا وفي الاخرة على ذلك، ونحقق التوازن في حياة الامة دنيويا واخرويا، ولعل اعجاب الجميع بتركيا وانجازاتها هو تصويت واجماع لامتنا على هذا النموذج المتوازن، الذي نشهد جميعا اقترابه ببطء مدروس الى النموذج الاكمل

آمل ان اكون قد اوضحت ان الديمقراطية الغربية باليات الانتخاب والرقابة فيها، اقرب نظام مطروح يحقق شروط الحكم فيالاسلام مع مرونة في التطبيق والتعديل

نسأل الله التوفيق والرشاد


2 Comments

Filed under English

2 responses to “عناصر قوة ثقافتنا – الاسلام والديمقراطية

  1. رائع جدا جدا
    لخصت أهم عناصر قوة الثقافة الاسلامية وربطتها بشكل واقعي فيما نريده الآن
    وهذا ما نأمل أن يحدث في البلاد التي ثارت ، وعقبال البلاد الآخرى 🙂

    تحياتي لك

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s