بسم الله الرحمن الرحيم
مدونة رقم ٣١
النظام التعليمي الانجليزي – اصل التعليم الكندي
انطلقت الثورة الصناعية في بريطانيا حوالي عام ١٧٦٠، اي ابكر من الدول التي لحقتها مثل هولندا بحوالي ستين عاما. شهدت بريطانيا تغييرا جذريا سواء اجتماعيا، سياسيا ، اقتصاديا او دينيا. تشكلت المدن الكبيرة نتيجة الهجرة من الريف سعيا وراء فرص العمل. تكسرت العائلات وبنيت الاحياء المكتظة والعشوائيات. تضخم الانتاج نتيجة استعمال الالة والبخار وذلك بتسخير الطاقة المختزنة في الفحم الحجري بدل القوة البشرية. وتم تجاوز محدودية انتاج الانسان بسقف تغذيته والتي يقوم بتحويلها الى سعرات حرارية، ومن ثم يترجمها الى جهد. كان لا بد من الانطلاق لفتح اسواق العالم لاستيعاب البضائع المنتجة. وهنا انطلق استعمار دول العالم بالاستفادة من التقدم التقني في مجال الاسلحة والسفن البخارية التي تجاوزت الاعتماد على الريح، وادوات الملاحة، حتى ان بريطانيا حكمت ربع اليابسة في حوالي العام ١٨٢٥ مما ابرز الحاجة الى القادة والاداريين والعسكريين والموظفين الاكفاء الاذكياء المنضبطين، والمؤمنين بالامبراطورية لادارة دول وحضارات وثقافات تتفوق على بريطانيا مساحة وثروات وسكانا وتاريخا وثقافة. من هنا ظهرت الحاجة الى نظام تعليم متفوق يوفر الكوادر اللازمة لادامة سيطرة بريطانيا على العالم
قام علماء الاجتماع والتربية اولا بالاستفادة من تكسر العائلات في فصل الجيل الجديد عن مفاهيم جيل آبائهم، وتلقينهم افكارا ومهارات ومعارف تتناسب مع ادوارهم الجديدة في ادارة العالم. تم تقنين الفصل بتحديد التعليم داخل المدرسة وليس بالبيت. وجعل الولد مسؤولا امام القانون عند بلوغه الثامنة عشرة، وتتوقف عند هذا العمر مسؤولية الوالدين القانونية والمالية عنه. تم اعطاء الوالدين المسؤولية الكاملة على اموالهم وعدم الزامهم بتوريث اولادهم، كما تم اعفاء الاولاد من المسؤولية عن الآباء في كبرهم وعجزهم، واصبح ذلك من مسؤولية الدولة وتم سن قوانين ضرائب الميراث لتمويل هذه الخدمات.
صممت الحكومة المدارس لتكون مصانع لانتاج القادة والعسكريين والاداريين اللازمين لادارة الامبراطورية، ووضعت لها النظم الداخلية شديدة .الانضباط، والتي نشاهد لمحات عنها في الافلام التي تتحدث عن تلك الفترة غذت المناهج الطلبة بنظريات داروين والتفوق العرقي الابيض، وتم شحنهم بالفكر الامبريالي، وبدور الرجل الابيض التاريخي بحمل المسؤولية عن المتخلفين من الامم الاخرى. وتم ذلك بعيدا عن تأثير الاسرة التي وجهت لعدم تدريس اولادها في البيت. اصبحت افكار التقدم الدائم، السيطرة والثروة هي الدافع الاهم لدى الخريجين. كما وتم التركيز على الزملاء كبديل ادوم واقرب فكرا من العائلة.
. ركزت المدارس على تنمية قدرة الطلبة على التحليل والتفكير المستقل مقابل النظام الفرنسي في حينه، والذي ركز على الحفظ. ينصب جل اهتمام المعلم في النظام البريطاني على حث الطالب على التحليل. وعلى سبيل المثال، يطرح المعلم جملة ويسأل الصف من يوافق على صحة هذه الجملة، فيرفع عدد من الطلبة أيديهم، يبدأ الاستاذ بسؤال احدهم عن سبب موافقته وبعد نقاش عميق، يهنئه الاستاذ على حسن تحليله ويمدحه امام الجميع، ثم ينتقل لمن لا يوافق، ويسأل احدهم عن اسباب عدم موافقته ويبدأ النقاش ثانية وبعدها يهنئ الاستاذ الطالب تماما كما في الحالة الاولى. وفي الحقيقة هويهنئ الطلبة ويشجعهم على ان يكون لهم رأيهم المستقل وان لا يكونوا تابعين لرأي الاستاذ او الكتاب. وهذا ما تحتاجه امبراطورية مترامية الاطراف. قادة قادرون على تحليل الاوضاع، وعلى اخذ قرارات حكيمة مستقلة بعيدا عن المركز
وفي الخاتمة، انطلقت الجامعات المتخصصة في العالم الانجلوساكسوني، مثل جامعة كامبردج، تطور هذا النظام وتتبادل الخبرات وتستمر ادامة تحسين نظام التعليم المدرسي لتواكب احتياجات العصر، ولتستفيد من التقدم الهائل في مجال المعلوماتية. وكما سنرى في المدونات التالية عن التعليم في كندا، كيف ينتج طلبة جاهزين للانضمام للمؤسسات المختلفة، ملتزمين باخلاق المهن. قادرين مشحونين، حاملين بلادهم الى العز والسؤدد.
نسأل الله التوفيق والرشاد