دروس من نظام التعليم الكندي

بسم الله الرحمن الرحيم

مدونة رقم ٣٦

اهمية القصة

. ينكب الغربيون على قراءة القصة بنهم شديد.  فتراهم في الحافلات واماكن الانتظار وحتى على شاطئ البحر منغمسين بالقراءة باستمتاع وبتركيز كبيرين والآخرون من الامم التائهة، محتارون اين ينقلوا ابصارهم وكيف يبددوا اعمارهم. وكنت دائما احترم عادة القراءة واحاول ان اقلدها ولكن بكتب جادة حسب رأيي عن الادارة والهندسة وغيرها مستغربا اضاعة الغربيين هذا الوقت باللهو في متابعة خيال كاتب . وصدق جل من قائل في سورة الكهف” وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا” . وقد احطت خبرا بذلك عندما درست القصة  في كندا. لقد تعلمت ان القصة نوعان، نوع  يسمى قصص الهروب،  و هي خيالية وتكتب بغرض التسلية فقط،  ويكون مـؤلفها كالمخترع يبتكر الشخصيات الخارقة للمألوف مثل سوبرمان والرجل العنكبوت وامثالهما. يغني هذا النوع من القصص اللغة المستعملة بالمفردات العلمية  ويعطي الناس احتمالات اوسع لبناء الافكار الجديدة بإستعمال هذه المفردات، او يجهزهم لخيال علمي اصبح قريب التحقق.  اما النوع الثاني فهو قصص المغزى، وهذا النوع هو الاكثر شيوعا والاكثر اقبالا. ويكون مـولفها اشبه بالمستكشف. يسبر اغوار الحياة والنفس البشرية ويسلط الضوء على جانب من واقع هذه الحياة ينسجه مع خبراته ومعارفه ليقدمه للقارئ في اطار قصصي خيالي ممتع. وكم تفيض شاشات التلفاز بالمسلسلات الاجنبية التي تشخص قصصا في مجال التحقيق الجنائي والمحاماة  والطب وغيرها، توسع وتعمق ادراك القارئ وتعلمه مستمتعا.  بينما وللاسف  تكاد تنحصر قصصنا ومسلسلاتنا بسقف الحب والزواج ومجموعة مفردات لا تتجاور الثلاثة الاف مفردة، اصبحت سقفا لتفكيرنا، حتى اننا نجد ان الفتاوي الدينية والاخبار اصبحت نادرا ما تخرج ايضا عن هذا الاطار. ان القصة بانواعها وخاصة قصص المغزى هي من اهم اركان الحفاظ على اللغة حية وفاعلة وهي مخزن لخبرات الافراد ، وتحتاج الى بيئة جادة متكاملة لانهاضها وتشجيعها.

تتراجع  اللغة العربية الى لغة للعبادات والدين لحاقا بما مات قبلها من اللغات مثل اللاتينية والسريانية. تجتر مفردات قديمة لا تخدم التعبير عن  العلوم الحديثة والتفكير والتحليل والنقاش. وترى المؤتمرات العلمية تعقد بالعالم العربي مستعملة اللغة العربية  ربما لقراءة آيات من الذكر الحكيم وتقديم بعض الشخصيات العامة ببضع جمل.  ينقلب المؤتمر بعدها الى الانجليزية او الفرنسية. حتى ان معظم اعلانات المؤتمر تكون باللغة الاجنبية. ولينطلق بعدها المؤتمرون من ابناء العربية بطلاقة وبلهجة رائعة باللغة الاجنبية يحسدهم عليها ابناء تلك اللغة. لكن هؤلاء الابناء، وهم امل الامة ورأسمالها  ومخزن استثمارها، انفصلوا عن جسم امتهم ممن لا يتقنون الاجنبية ولا يمتلكون المفردات بالعربية لفهم ما يحصل والتفاعل معه وانجاحه. ومع الوقت انفصلت الانتلجنسيا العربية عن امتها واصبحت اقرب للغرب فكرا ولغة وثقافة.  ولذلك اصبحت الهجرة اقرب لهذه الانتلجنسيا سبيلا. ولتشكل خسارة رئيسية اخرى تضاف الى خسارات هذه الامة ورافدا اضافيا للآخر. ولكن اذا ما باشر ابناء الامة بكتابة قصص توثق خبراتهم في مختلف مجالات تخصصاتهم بالعربية، تخلدت ذكراهم في تاريخ امتهم، ووثقت خبرتهم قبل ان تفنى بموتهم. وتولدت عندهم مفردات هذه التخصصات، واتضحت الحاجة الى مفردات جديدة تقوم مؤسسة المجمع اللغوي والجامعات ومؤسسات الابحاث بتوفيرها. وتعود اللغة العربية تنضح بالحياة في مختلف التخصصات، لغة حية تواكب التقدم  وتوفرالادوات اللغوية اللازمة للنهضة وللابحاث والمؤتمرات باللغة العربية. كلنا يعلم ان   المفردات هي لبنات بناء الافكار. وكلما زادت اللبنات كلما تنوع البناء وتعاظم وانطلق الابتكار والاختراع

تختزن القصة خبرات الافراد خلال قصص هادفة في اطار ممتع. انها التعلم بسعادة. انها تركز ادراكنا وتعمق احساسنا بواقع لم نعشه تضيئه لنا باستعمال خيالنا. وتختزن القصص هذه الخبرات الانسانية الفردية، التي تشمل خبرة الكاتب ومعرفته في زاوية معينة ينقلها الى الجمهور ممن لم يعيشوا تجارب المؤلف. ولا ننسى اهمية وحجم الخبرات المؤسسية المخزنة في الشركات والمؤسسات والجامعات والتي لا تشمل خصوصيات الفرد التي تغطيها القصص والمذكرات والسير الذاتية. كم تعلمنا من القصص مهارات ومعلومات لم نكن لنمارسها في اطر حياتنا الشخصية. اصبح الذكاء الاصطناعي في مراحل متقدمة من التطوير والتطبيق. وتمثل الروايات بانواعها مستودعا هائلا من الخبرات الفردية. ستمثل هذه الروايات مصدرا لا ينضب من الحلول المجربة لدعم القرار او اتخاذه في المؤسسات العالمية مستقبلا، خبرات ولدت من تجاربهم، تناسب مجتمعاتهم وتحل مشاكلهم. وارى امتنا في المستقبل تشتري نظم الذكاء هذه، لتفشل في حل مشاكلنا لانها بنيت في بيئة اخرى غريبة عنا، ولندفع ثرواتنا ان كان يومها بقي لدينا ما ندفعه. وكما حصل في نظم الحاسوب التي على الرغم مما دفعته الامة ثمنا لها ما زالت بعيدة عن الاستفادة من هذه النظم وحواسيبها وشبكاتها،  لعدم تناغمها مع ثقافتنا واحوالنا وعدم استباق شرائها بتحديد احتياجات المؤسسات باستعمال منهجيات الادارة الاستراتيجية

يدعم كتابة القصة في الغرب كما في باقي نشاطات الامة، بيئة متكاملة داعمة لانجاح كاتب القصة. يقابلها غياب الجهد الحكومي الجاد في العالم العربي. لقد تم تطوير منهجية لكتابة القصة مماثلة لما رأينا سابقا لكتابة المقال. يتم تدريس هذه المنهجية جزءا من المنهاج في المؤسسات التعليمية. لقد تم تخزين خبرات ومعارف الكتاب المشهورين في العالم في هذه المنهجية ، ليساهم الكاتب المبتدئ في تقديم خياله وخبرته وابداعه الفني وحتى لا يضيع جهده بكيف وماذا واين. ان هناك ما لا يحصى من الجامعات ودور البحث وجمعيات الكتاب والمؤلفين  والنقاد والممولين من دور نشر ودعم حكومي مالي من وزارة الثقافة واوقاف مالية داعمة وجوائز تشجيعية وكل ما يخطر على البال وما لا يخطر. لقد انتجت هذه البيئة شعبا مؤلفا وقارئا. سأحاول ان القي الضوء على هذه المنهجية في المدونة القادمة، والتي لا تغني للاتقان عن الدراسة ومتابعة اليوتيوب والدروس الجامعية المتوفرة على الانترنيت من اشهر الجامعات الدولية لمن يتقن اللغات الاجنبية

استطاعت القصة في الغرب ان تغنى اللغة وان تحييها، وان تعمم المعرفة والخبرة لاكبر عدد من الناس. لحقت دول كثيرة  بهذا الطريق، واصبحت تطبع وتؤلف  وتنشر الملايين من الكتب سنويا وبلغاتهاالوطنية، ومنها تركيا كمثل قريب. ان الدول العربية تسطيع ان تضع استراتيجية لنهضة التأليف والقراءة كما تم تفصيله هنا في مدونات سابقة باعتماد اساليب الادارة الاستراتيجية، اذا ارادت البقاء مستقلة واذا رغبت ان لا تندثر بعد نضوب النفط

أسال الله التوفيق والرشاد

وارجو ممن تعجبه المدونة ان يساعدني في نشرها وتعميمها لفائدة عدد اكبر مع الشكر الجزيل

خالد الكيلاني

Leave a comment

Filed under عربي

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s