بسم الله الرحمن الرحيم
مدونة ٣٩
وضع العالم الاسلامي في بداية الفترة من ١٠٠٠ – ١٤١٤م
زرعت الفتنة الكبرى بين الامام علي كرم الله وجهه ومعاوية بن ابي سفيان، بذور انقسام وضعف وانهيار الامة الاسلامية . انقسم المسلمون الى شيعة وسنة . وقضت حروب الفتنة على خيرة من السلف الصالح من صحابة رسول الله ص. وانتهت الشورى ودخل العالم الاسلامي تحت حكم قومي علماني وراثي حيد مواطن القوة والتمكين في نظام الحكم الاسلامي. اذ استبدل الامويون العدل والمساواة اللتين ارسى الاسلام اسسهما وسن الرسول ص عليهما نصا بخطبة الوداع بان لا فضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى، استبدلوه بنظام الموالي الذي فضل العرب على العجم وغيرهم. واصبح بيت المال مشاعا للحاكم يشتري به الذمم والاتباع. دعى العباسيون الى آل البيت والى تصحيح فساد الامويين، وتبعهم الناس وخصوصا ممن اسلم من الاجناس الاخرى والتى شعرت بالخداع والظلم من عجم وغيرهم، وبعد انتصارهم على الامويين، انقلب العباسيون على من دعمهم بعدما وصلوا الى الحكم، فاعلنوا البيعة لآل العباس وابادوا الامويين في مأدبة فر منها عبد الرحمن الداخل، واضطهدوا آل البيت، وقتلوا ابا مسلم الخراساني الذي اوصلهم الى الحكم، وساروا في خط الامويين في الحكم وفاقوهم في البذخ والانفاق والقصور والترف، وكما نستثني من فساد الامويين الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز، فاننا نستثني من العباسيين قليلا من خلفائهم كانوا صالحين. احتاج الخلفاء العباسيون الى حرس موال لهم، مرتبط بهم، بلا قاعدة شعبية. فبدأ المأمون بشراء صغار الاتراك وتدريبهم واتخذهم حرسا وجندا. توسع هذا الجيش بوصول المعتصم الى الحكم الذي كانت امه تركية. ودخل كثير من الاتراك الاسلام تعصبا لكون الخليفة قريبهم. ومع الوقت اصبح الجنود الاتراك يشغلون المناصب العليا في الجيش وفي الحرس الخاص بالخليفة، واحسوا بقوتهم فاصبحوا يتحكمون في تعيين وعزل الخلفاء و سيطروا بعد ذلك على الحكم واصبح السلاجقة هم السلاطين واصبح الخليفة رمزا يدعى له بالمنابر. وخلال المئة الاولى بعد الالف الميلاد كانت الامبراطورية العباسية مقسمة الى دول وامارات متنازعة، يحكمها ضعاف القلوب والنفوس. فلم تدخل الاندلس اصلا في حكم العباسيين وبقيت اموية بقيادة عبد الرحمن الداخل، وانقسمت سنة ١٠٣٠م تقريبا الى اثنين وعشرين دويلة متحاربة عرفت بفترة ملوك الطوائف، ووصل الأمر إلى أن ملوك الطوائف كانوا يدفعون الجزية للملك الفونسو السادس، وكانوا يستعينون به على أخوانهم. ، وكانت مصر والحجاز وجنوب الشام في يد الفاطميين وحكم امراء السلاجقة مدن الشام والعراق وبعضا من الاناضول وظهرت دول اخرى كثيرة في الشرق مثل الدولة الغزنوية. وبمثل هذا الضعف والانقسام والاحتراب الداخلي استقبل العالم الاسلامي المصائب الكبرى التي ادت الى انهياره الاول، وهذه المصائب هي اولا الحروب الصليبية ثم الغزو المغولي وبالحشاشين والطاعون الاسود والغزو التتاري. وسنبدأ آولا بالحروب الصليبية
هزم المسلمون السلاجقة بقيادة ألب ارسلان الجيش البيزنطي بقيادة الامبراطور رومانوس هزيمة منكرة في معركة ملاذكر١٠٧١م. وقع الامبراطور في الاسر . احسن السلاجقة الى الامبراطور وارسلوه مكرما الى القسطنطينية مع هدايا واتفاق حسن جوار وذلك على الرغم من تنكر رومانوس لاتفاقية سلام وقعها في العام ١٠٦٩م. اقام الامبراطور في ضيافة المسلمين اسبوعا وعاد ليجد ان من خانه في الحرب قد تسلم مكانه. سمل الامبراطور الجديد عيون رومانوس الرابع فعمي ونفاه الى جزيرة بعيدة. اطلقت الامبراطورية البيزنطية ناقوس الخطر في اوروبا. ان اوروبا مهددة بالاجتياح من المسلمين، وكانت معركة عظيمة تسببت في عواقب كبيرة. ضعفت دولة السلاجقة بعد القادة العـظام مثل ألب ارسلان وملكشاه وبعد وزير اسطورة مثل نظام الملك، وتقاسم الامراء تركة الاباء وحسبوها تورثا واصبحت كل مدينة دويلة، فحمص وحلب ودمشق وحماة والموصل دويلات يحكمها اخوة يتقاتلون فيما بينهم.
هدأت الحروب في اوروبا واستقر الغزاة مثل القبائل الالمانية وقبائل الهون والفايكنج، وعاد الفرسان والمحاربون الى المدن. اقطع الملوك القلاع والمناطق لمن خدمهم من الفرسان واصبحت هذه القلاع والاراضي ملكا للابن الاكبر حسب نظام الميراث الاوروبي. وبقي غير الورثة من حملة الالقاب من نبلاء اوروبا معدمين ماليا ولا يتقنون سوى القتال. متحفزون لحروب تدر عليهم الغنائم والاسلاب والاملاك. وكان على البابا والملوك الاروربيين اطلاق طاقاتهم خارج دولهم لمنع تحاربهم في الداخل.
تحسنت الاوضاع الاقتصادية في اوروبا وابتدأ الاوروبيين بالحج الى فلسطين باعداد اكبر. تزامن ذلك مع سيطرة السلاجقة على الشام وفلسطين. كان السلاجقة حديثي العهد بالاسلام وتعاملوا مع الحجاج المسيحيين القادمين من اوروبا بخشونة اهل البادية، وباهانات وفوقية فظة مخالفة لتعاليم الاسلام، وخصوصا اذا ما قيست بلطف الفاطميين مع هؤلاء الحجاج. ونذكر هنا ان الحكام السلاجقة كانوا يعاملون المسلمين غير الاتراك بنفس الجلافة ولم يميزوا كثيرا بين جمع الضرائب ونهب الناس ممن تحت حكمهم من المسلمين. وعاد الحجاج الى اوروبا بقصص مثيرة عن حجم الغنى والثراء والترف الذي يعيشه المسلمون. التقط البابا شكاواهم وتوصيفهم لثروة الشرق. فوجد في غزو الشرق حلا لمشاكل اوروبا المذكورة اعلاه. ولاسترجاع الاراضي البيزنطية التي احتلها المسلمون. ضخم البابا الامر وطالب الملوك والامراء والفرسان بإطلاق آلة القتل ضد المسلمين ووعدهم بالغنى والثروة والارض والغفران. وشجعت المدن التجارية الايطالية الغزو طمعا في كسر سيطرة المسلمين على تجارة الشرق، فسخروا اساطيلهم البحرية لنقل الجيوش
دبت الخلافات بين الفاطميين في مصر في العام ١٠٩٤ وانقسموا الى نزارية ومستعلية، خلافا على الملك، وقام حسن الصباح بالسيطرة على قلعة الموت في ايران وآلى على نفسه نصرة الفاطميين النزاريين ونشر دينهم ومنع اتحاد اعدائهم واهمهم السلاجقة الذين احتلوا من الفاطميين بلاد الشام وخصوصا بيت المقدس. قام الحشاشون انصار الحسن الصباح باغتيال افضل القادة الاستراتيجيين المسلمين في تلك الفترة وهو نظام الملك وبعده ملكشاه. لقد اغتال الحشاشون كل من حاول جمع الصف الاسلامي لمقاومة الغزو الصليبي حتى لا ينقضوا بعدها على الفاطميين. ودفع الحشاشون الاسماعيليون الجزية للصليبيين وبثوا الرعب في العالم الاسلامي
كان المسلمون في غاية الضعف السياسي والعسكري والانقسام والاحتراب الداخلي عندما توالت عليهم المصائب، وقامت الكنيسة والرهبان مثل بيتر الناسك بتهييج الاوروبيين الاميين ضد المسلمين في حرب دينية توغر الصدور وتملأ القلوب بالانتقام ولتخليص القبر المقدس من سيطرة الكفرة المسلمين. علما بان الحجاج لم يتم قتلهم او سلبهم في فلسطين ولكن الاوروبيين وجدوا لمشاكلهم حلا في ثروات وبلاد المسلمين وما اشبه الليلة بالبارحة.
.سنتابع معا في المدونات القادمة ان شاء الله، اوضاع العالم الاسلامي وخلفياته قبيل الانهيار الاول، حتى نستخلص العبر منها
نسأل الله التوفيق والرشاد
وأسأل احبتي القراء الكرام مساعدتي في نشر هذه المدونة وتعميمها ودعوة الآخرين الى الاشتراك فيها ان أحسوا انها ذات فائدة للامة، مع شكري وامتناني
خالد الكيلاني