اسباب انهيار العالم الاسلامي – الفترة من ١٠٠٠ الى ١٤١٤م

بسم الله الرحمن الرحيم

مدونة ٤٠

وضع العالم الاسلامي في بداية الفترة من ١٠٠٠ – ١٤١٤م

الحروب الصليبية – ١

توالت الحروب الصليبية على العالم الاسلامي، فكانت الحملة قبل الاولى سنة ١٠٩٥ مكونة من رعاع الاوروبيين، حشدهم الراهب بيتر الناسك من فلاحين ومهنيين وعاطلين. هزمهم الامير اليج ارسلان السلجوقي بسهولة وفر من بقي منهم الى بيزنطة. تبع ذلك الحملة الاولى سنة ١٠٩٦ يقودها اشراف اوروبا وتتكون من فرسانها المحترفين المتمرسين، وقد حشد البابا اربان الثاني هؤلاء لاسترجاع بيت المقدس وتحرير الاراضي البيزنطية. هزم الصليبيون السلاجقة واسسوا الممالك الصليبية الاربعة في الشرق الاسلامي في الرها وانطاكية وطرابلس والقدس. وكانت هذه الحملة هي الانجح والاكثر وحشية. لقد ارتكب الصليبيون المذابح في المدن التي قاومتهم مثل انطاكية وفي المدن التي سالمتهم مثل المعرة. وابادوا اهل القدس من المسلمين واحرقوا سكانها من اليهود في معبدهم الذي التجأوا اليه. وصادروا اموال المسيحيي ن الشرقيين ونفوهم من القدس باعتبارهم مسيحيين ضالين، مثل الارثوذكس والنساطرة واليعاقبة. وقدر المؤرخون عدد القتلى في القدس بسبعين الفا. لقد فشل المسلمون في تحليل وفهم الخطر الصليبي وفي مواجهته، بل تحالفوا مع الصليبيين ضد اخوانهم في حروب تنافسية تافهة، وفشلوا في الاستفادة من مواطن قوتهم في المراحل الاولى لهذه الفترة.

على الرغم من تصريح محاربي الحملة الاولى عن طبيعة غزوهم الديني للاراضي الاسلامية، وعن نيتهم القضاء على الاسلام، لم يأخذهم المسلمون على محمل الجد، واعتبروهم مجموعة عرقية وسموهم “الفرنجة،” من كلمة Franks, ولم تأت تسمية هذه الغزوات بالحملات الصليبية الا في اوقات متأخرة. وعندما حاصر الصليبيون انطاكية، استنجد ملك انطاكية بملك دمشق ويدعى داقوق. اراد داقوق ان يساعده ولكنه خشي ان ينقض اخيه رضوان ملك حلب على دمشق ويضمها لملكه. وانشغل ملك الموصل في معركة جانبية في الطريق لنجدة ملك انطاكية التي سقطت اخيرا للصليبيين. امعن الصليبيون في قتل اهل انطاكية. انتقلوا بعدها لحصار المعرة. استعانت المعرة بالمسلمين ولا مجيب. جاع الصليبيون مع طول الحصار. وعدوا اهل المعرة بالعفو وبالسلام. ولما وافقت المعرة وفتحت ابوابها، فعل الصليبيون في المعرة اسوأ من ما فعلوا في فيما سبقها من المدن الاسلامية مثل نيقية وانطاكية. ذكر امين معلوف في كتابه الحروب الصليبية ان المؤرخين المسلمين اوردوا ان الصليبيين طبخوا اطفال المسلمين وقتلاهم واكلوهم واكد ذلك اوروبيون شهدوا الموقعة مثل رالف دو كاين، وكتب البرت دو إكس مؤرخا “ لم يأكل الصليبيون لحوم القتلى من الاتراك والعرب فحسب، بل انهم اكلوا لحم الكلاب ايضا.” لم يحرك هذا الذل وهذه المذابح والبشاعات عقول وقلوب المسلمين، صدمة تحرك الاموات عجزت ان تحشد فيهم طاقة المقاومة والوحدة والتخلي عن الانانية. وكان هذا الوهن من اغرب قصص فترة الحروب الصليبية.

تخلى المسلمون عن عناصر قوتهم وفشلوا في التعبئة الدينية المقابلة وفي تشخيص حجم الهزيمة وحقيقة اهداف المعركة. اعتبروا ان الغزاة الى زوال قريب. وانهم عارض مؤقت. ونرى دائما هذا التصور موجودا في تلك المنطقة من العالم. وساعد هذا التصور في محاولة كل امير تحسين امارته وثروته بأي ثمن. لقد ساهم امير حلب “المسلم” بثلث جنود تانكريد ملك انطاكية الصليبي في حربه ضد جاوالي امير الموصل المسلم . ورفض الخليفة العباسي في بغداد تقديم اي دعم، واعتبرت الدول الاسلامية البعيدة ان هذه الحرب شأن لا يعنيها. كان التخاذل والتهاون والتفكير السطحي سادة الموقف. ان الجهاد ضد المعتدي لا يقبل التأويل لشدة وضوحه في القرآن الكريم. وكان مفهوم الجهاد قد ذوى عند المسلمين ربما لبعدهم عن الحدود المحاربة للاعداء بسبب اتساع الدولة، ولضعف الدول وقياداتها. احتاجت الامة الى حوالي خمسين عاما من الاحتلال ليظهر قائد فذ مثل نورالدين زنكي في الموصل، ويبدأ بتوحيد الدويلات الاسلامية بالسيف وليطلق حملة تعبوية سليمة، وكان على نهج التدين والتواضع والعيش مع جنوده كانه احدهم. وكان على ثقة بالنصر حتى انه امر ببناء منبر الاقصى في حلب بعد فتحها. وارسل صلاح الدين الايوبي وعمه الى مصر وحكمها صلاح الدين وانهى حكم الفاطميين الذين كانت دولتهم قد ضعفت وكانوا قد انقسموا على انفسهم. وتولى صلاح الدين قيادة الامة ضد الاحتلال بعد ان توحدت مصر وسوريا وشمال العراق والحجاز. حارب صلاح الدين الصليبيين ثمانية عشر عاما ومولت مصر جيوش المسلمين بالرجال والسلاح والتزويد من طعام وملابس وغيره حتى حافة الافلاس. ولا ينكر احد فضل مصر على العالم الاسلامي وخاصة بعد امتناع الخليفة العباسي دعم صلاح الدين وخزائنه مملوءة بالذهب والمال. لقد خشي ان يسلبه صلاح الدين الملك ان انتصر على الصليبيين. وهزم صلاح الدين الصليبيين واستعاد القدس ونظف الاقصى من الاوساخ والنجس حيث استعمله فرسان الهيكل اسطبلا لخيولهم . ووضع منبر الاقصى مكانه كما اراده نور الدين.

تآمر المسلمون ضد بعضهم وتحالفوا مع عدوهم ضد اخوانهم طمعا بالملك والخلد، وغيبت زحمة التنافس عقولهم واستشرافهم لحجم التدمير الوجودي لكيانهم. لقد تكاثرت عليهم الامم واصابهم الوهن وكما انبأهم الرسول ص (يوشك ان تتداعى عليكم الامم كما تتداعى الاكلة على قصعتها، قالوا: اومن قلة يارسول الله؟ قال (صلى الله عليه وسلم): بل انتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من قلوب اعدائكم منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال (صلى الله عليه وسلم) : حب الدنيا وكراهية الموت).  وغفلوا عن مواطن قوتهم، ولم نسمع عن قيادة فكرية يلجأ اليها الحكام والافراد للتوجيه والحكمة الا في مرحلة لاحقة. وبينما كانت اهداف الكنيسة ومدن ايطاليا التجارية انهاء الاسلام وجودا وسيطرة جغرافية وتجارية، عاش امراء المسلمون في فقاعات تافهة، فنيت وافنتهم ولم تغن احدا شيئا. ولم يتعلموا ان قليل دائم خير من كثير منقطع. وما اشبه الليلة بالبارحة.

نسأل الله التوفيق والرشاد

خالد الكيلاني

وأسأل احبتي القراء الكرام مساعدتي في نشر هذه المدونة وتعميمها ودعوة الآخرين الى الاشتراك فيها ان أحسوا انها ذات فائدة للامة، مع شكري وامتناني

خالد الكيلاني

Leave a comment

Filed under عربي

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s