عناصر قوة ثقافتنا – الوقف الاسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم

مدونة رقم ٢٠

واكب الوقف الاسلامي الفتوحات الاسلامية، وكان الالة العظيمة التي بنت الثقافة الاسلامية وعملت على توطينها في بلاد كانت تخضع لظلم الحكام ونهب الثروات وقمع الحريات ومصادرة العقائد

 ما ان استقر الفتح حتى تقدمت مؤسسات الوقف تنشئ المساجد والمدارس والمستشفيات، تعلم الناس اللغة والدين، تحتضن اليتيم والفقير والضعيف من شتى العقائد والاجناس تاركة لهم معابدهم وعقائدهم، فكان الوقف احد العوامل الاساسية في اعتناق الشعوب للاسلام

ولكن ما هو تعريف الوقف: هو تخصيص اصل منقول مثل المال النقدي او ما يماثله، او غير منقول مثل الارض والعقار من قبل مسلم مقتدر لغرض عمل خير شرعي، وبقصد التأبيد اي للابد وبحيث يتم انفاق عوائد الوقف على العمل المقصود مع الحفاظ على اصل الوقف، والوقف نوعان الوقف الخاص والذي يعود خيره الى ذرية الواقف او لجهة محددة ، والوقف العام والذي يعود خيره على كل من ينطبق عليه شروط الموقوف له، مثل تعليم الفقير ومعالجة المحتاج

 يتم الوقف في حياة الانسان صاحب الاصل الموقوف ، ويخضع لاحكام الوصية اذا كان بعد وفاته

 يمثل الوقف رافعة قوية لنهضة الامة ويدعم انشاء مؤسسات المجتمع المدني المستقلة عن الدولة، ويوفر اطلاق الوقف اضافة الى خدماته المتنوعة، مجالا كبيرا لتوفير العمالة للناس، فهناك حاجة الى مؤسسات ادارة الوقف، ومؤسسات التدقيق المالي والاداري ومؤسسات ادارة المشاريع وادارة الممتلكات وصيانتها، والمؤسسات الاستشارية في مجال الاستثمار المالي والعقاري، وقد نقل الغرب الكثير من تجارب العالم الاسلامي في الوقف وظهرت في الغرب مؤسسات مماثلة مثل

Trust Banks

وكذلك اوقاف الجامعات والمدارس وتمثل اوقاف جامعة هارفاد الاكبر في العالم وتقارب الاربعين مليار دولار

تقوم حاليا مبادرات في مختلف الدول الاسلامية مثل الكويت وماليزيا وبنك التنمية الاسلامي في جدة، لتطوير مفهوم الوقف وتحويل ناظر الوقف من شخص الى مجلس ادارة مع ادخال مفاهيم الادارة الحديثة الى المؤسسات الوقفية، كما يتم حاليا في اندونيسيا اطلاق سندات الوقف، وبقيم تناسب امكانيات الثري والغني والعادي، ويسهل هذا مساهمة الجميع في بناء الخير الكثير الدائم  والذي هو افضل الخير، اذ ورد في الاثر ان قليل دائم خير من كثير منقطع

وامتد خير الاوقاف في التاريخ الاسلامي ليغطي الناس غذاءا واسكانا وعلاجا وتعليما، وخدمة الحجاج، وتوفير المال للمعسرين في الزواج، وتوفير الحلي اقراضا والملابس هدية للعروس حتى لا تحرج، وللخادمة تكسر الاناء فتعوض بدلا منه حتى لا تهان ، وامتد كذلك ليوفر العناية لخيل الغزو التي شاخت احتراما لها ولما قدمته فلا تهان في كبرها، ووضع وقف لرعاية الكلاب والقطط السائبة

،طالب القرآن الكريم المسلمين بانفاق ما زاد عن حاجتهم وورد في القرآن الكريم – يسألونك ماذا ينفقون قل العفو

والعفو هو الزيادة او الفائض عن الحاجة

تعاظمت الوقفيات او اتفاقيات الوقف في نصها وخطها وحفظها، فهي تنظم اتفاقية ابدية، ولهذا كان الواقف ينفق لتكون وقفيته شاملة ووصل بعض منها الى ستين صفحة او يزيد، وشكلت الوقفيات احد مصادر دراسة حال الامة في زمانها

 قامت الاوقاف الاسلامية بدور هام في بناء مؤسسات الثقافة الاسلامية، ونشر الدين وتعزيز الاقتصاد وزيادة الالتحام والتكاتف داخل المجتمع، وقامت ايضا بدور هام في دفع الاذكياء والقادرين الى سدة القيادة في القطاعات المختلفة، فما ان يرى الاستاذ اوالعالم او المدرس نبوغا عند احد التلاميذ، حتى يفتح له  وبتوصية للاوقاف،  بعثة كاملة لتعليمه، ورصد المستعمرون وخاصة الانجليز ذلك، وكيف ان قادة الثورات في العالم الاسلامي عامة وفي فلسطين خاصة هم من علماء الدين، وشخصوا آلية الاوقاف الاسلامية المستقلة، واهميتها في دفع الاذكياء للتعليم وتمويلهم، ودفع الرواتب المحترمة للقضاة ولرجال الدين مما عزز استقلالهم وبالتالي عفتهم ومصداقيتهم، فقام الانجليز بتأسيس وزارات الاوقاف الحكومية وربطوا بها الاوقاف الاسلامية الاهلية فقتلوا بذلك هذه الالية الرائعة.

  وبالمقابل اطلق الغرب الاوقاف في بلادهم،  وانتبهوا الى اهمية دور الاوقاف في زيادة التحام المجتمع والتخفيف عن المحتاجين وتحقيق الامن الاجتماعي ،فنراهم ينشؤون مؤسسات مماثلة باسماء معروفة مثل مؤسسة فورد ومؤسسة بيل جيتس الخيريتين

 يمثل الوقف بابا عظيما للمساعدة في حل مشاكل الامة، وبتمويل دون كلفة، ولكنه تراجع لانعدام الثقة في المؤسسات التي ترعى الاوقاف في البلدان الاسلامية، ولعدم وجود قوانين وتشريعات واضحة لحماية الاوقاف من طمع الطامعين من الداخل والخارج ولذلك نرى تراجعا هائلا في رغبة الاغنياء في تقديم اوقاف جديدة، إذ لا يمثل ما يضاف سنويا الى الاوقاف شيئ يذكر مقارنة بما هو ممكن، ولنتخيل معاالفرصة التي نهدرها والتعطيل المؤسف لهذا العنصر هام من عناصر قوتنا

نسأل الله التوفيق والرشاد.