المسار المتوسط، الجامعات ١

بسم الله الرحمن الرحيم

مدونة ٨

الجامعة هي عماد النهضة وتوأم بيت النهضة واول ما يجب بناؤه من المؤسسات، ولربما قال قائل ان المدرسة اهم من الجامعة وان المدرسة هي تاسيس الطالب واصل البناء. نعم لا خلاف، ولكننا بحاجة الى جامعة تصمم البيئة التعليمية المدرسية المتفوقة وبما يناسب ثقافتنا، جامعة تقوم بجمع ما يصدر في العالم من ابحاث وما يتم اعتماده من نتائج، وتقوم بدراسة امتحانات التقييم الدولية لمخرجات التعليم وتعكسه على المناهج وعلى سياسات ومنهجيات التعليم المدرسية في بلادنا

تسبق الجامعة المدرسة لتكون الحاضنة التي تنتج المدرسة الناجحة والطالب المناسب لزمانه ومتطلبات عصره، وكما راينا سابقا فهناك البناء الاصلي ومن ثم ادامة التحسين والتعديل بما يستوعب المتغيرات، ونرى ان جامعة كامبردج, على سبيل المثال، هي مركز البحث والتطوير وحاضنة نظم ومنهجيات التعليم في بريطانيا

تتكامل العلوم الانسانية في دراسة وتحليل وفهم ثقافة الامة، وتقوم الكليات المختلفة مثل كلية التربية وكلية علم النفس والسلوك بوضع المناهج واساليب التدريس والمختبرات والالعاب التي تمثل افضل الطرق لايصال المعلومة الى الطالب وكيف ان يكتشف الطالب العلم اكتشافا لا تلقينا.

تركز جامعات العالم العربي وافريقياعلى التعليم النظري وتبتعد عن البحث العلمي لحاجته الى مختبرات واساتذة مكلفين، لا تقدر او لا ترغب في توفيرها

تنتقي جامعات العالم الغربي افضل ابناء الدول المتخلفة وتستكمل تاهيلهم النظري بالتاهيل العملي ، وتحول بهذاالاستثمار او الاستكمال، هذا الشاب او الشابة ليصبح منتجا.

توفر هذه الدول مستوى الحياة المتقدم، ونظم الحياة المتطورة، والتي ما فتئ يقارنها ببلده فيؤجل عودته، وتزداد بلده فقرا وتخلفا ويزداد عدد الهاربين من الافضل والاذكى من ابناء الدول الفقيرة، وداروين يراقب التخلف الجيني للامم الفقيرة وعكسه في الدول المتفوقة والتي تراكم افضل الصفات الجينية في شعوبها لتزداد تفوقا وازدهارا

تذكر كتب التاريخ ان المسلمين اخترعوا الجامعة، حيث أخذ كل عالم ابتداءا احد اعمدة المسجد الجامع في بلده ، واجتمع تلامذته من حوله يتلقون عنه في مجالات متنوعة  ابتداءا من علوم الدين وصولا الى العلوم والاداب والفنون.

ظهرت في عصور النهضة الاسلامية الجامعة المستنصرية في بغداد، والازهر في القاهرة، وجامعات الاندلس وكان اشهرها تفاعلا وتنوعا في جنسيات الدارسين هي جامعة طليطلة و التي كانت نموذجا رائعا ، لتعارف الشعوب وتبادل المعرفة وضربت اروع الامثلة على اتساع صدر الدولة الاسلامية في اسبانيا لكافة الدارسين من مختلف البلدان الاوربية، وكانت اللغة العربية هي اللغة السيدة في ذلك الزمان، ونجحت في استيعاب المعرفة الانسانية وتطويرها. ومن جامعة طليطلة، انطلق العلماء الاوروبيون لتأسيس جامعات اوروبا الشهيرة مثل السوربون واكسفورد

نهضت بريطانيا حوالي العام ١٧٥٠، ولحقتها دول شمال اوروبا مثل بلجيكا وهولندا وفرنسا حوالي العام ١٨٣٠، تخلفت فرنسا عن بريطانيا بسبب انشغال فرنسا بالثورة والحروب النابليونية والأوروبية، مقابل الاستقرار السياسي والاقتصادي والناتج عن استقرار الحكم الديمقراطي البريطاني اضافة الى عدم وقوع حروب على الاراضي البريطانية، حيث تسبب هذه الحروب في تدمير هائل للاقتصاد والاستدامة الاجتماعية.

ولتلحق فرنسا ببريطانيا، استدعت الأساتذة الجامعيين من بريطانيا وسعت إلى إنشاء جامعات مماثلة للجامعات البريطانية بسرعة كبيرة.

قامت نهضة اليابان على الوفود التي ارسلتها الى بريطانيا والمانيا حوالي العام ١٨٦٠، لنقل النظم المطبقة في هذين البلدين القائدين في ذلك الزمان، في مجالات التعليم والبحث والتطوير والصناعة والتجارة.

دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الاولى بقرار مفاجئ للجميع، بعد ان كان شعار الرئيس وودرو ولسون اثناء حملته الانتخابية التي سبقت ذلك، ان لا لمشاركة الولايات المتحدة في الحرب في اوروبا

كان هذا في العام ١٩١٧.

احتاجت الولايات المتحدة الى اكثر من سبعماية الف عسكري اضافي لتلبية احتياجات هذا القرار المفاجئ، اي هناك حاجة الى تجنيد وتدريب وتسليح وتزويد هذاالجيش الكبير بسرعة قياسية

اخترعت الجامعات الامريكية علم القياس، والذي يقوم على فحص تاهيل المجندين من معرفة ومهارات وخبرات والامكانيات العقلية، ورد الفعل الميكانيكي للمجند وسرعة الاستجابة العصبية والعضلية للمؤثرات اي رد الفعل على المؤثرات، وتم تصميم امتحانات وادوات مساعدة لانجاز هذه الفحوص

قام الخبراء العسكريين بمقارنة تاهيل المجندين بالوظائف المطلوب اشغالها، وتم اختيار المجندين الاقرب تاهيلا لشغل الوظيفة فوفر هذا الوقت الكثير في التدريب كما استبعد من لا تتوفر لديه مواهب اساسية للنجاح في وظيفة معينة ، فهل ينجح مثلا في العمل على مدفع مضاد للطائرات من لا يستطيع التفكير بفراغ ثلاثي الابعاد او هل ينجح من يعاني من عمى الالوان من شغل وظيفة خبير دهانات.

وكاننا نقول وضع الرجل المناسب في المكان الاقرب لمؤهلاته، ونجحوا في بناء الجيش والدخول وكسب الحرب العالمية الاولى، والتي انتهت في العام ١٩١٨ اي في السنة التالية لدخول الولايات المتحدة الحرب.

في العام 2000، وجدت ألمانيا أن عدد براءات الاختراع التي سجلها الألمان في ذلك العام لكل 10,000 مواطن قد تراجع، ولنقل من 40 براءة اختراع إلى 38 براءة اختراع وذلك على سبيل المثال، مع بقاء ألمانيا الأولى عالميا في هذه المعدل. أطلقت ألمانيا ناقوس الخطر وجمعت علماء التربية والتعليم والنفس وغيره لتجد حلا لمعالجة هذه المصيبة الطارئة وكان توجههم الى الجامعات لدراسة موطن الخلل ووضع الحلول.

وضع العلماء الألمان ثلاثة محاور استراتيجية لنظام تعليمي حديث يتم بناؤه في الجامعات حول هذه المحاور وهي:

التعليم المستمر للخريجين وبحيث يتم ربط الخريجين بالجامعات ليستكملوا سنويا ما جد من علوم على تخصصاتهم وكانهم يستلهمون الحديث الشريف، اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد

معاملة الطلبة واحترامهم كزبائن للمؤسسة الجامعية بدلا من اعتبارهم مجرد طلبة، فالجامعة أصبحت بحاجة إليهم وليس فقط العكس، لأنه أصبح بإمكان الطالب المقيم بجانب الجامعة الانتساب بواسطة الإنترنت إلى إي جامعة في العالم.

إدخال ثقافة الابتكار في كل منهج وعملية تعليمية أو تجريبية في الجامعة.

نجح النظام الجديد، بعد استكمال بنائه وتطبيقه في أكثر من 150 جامعة ومؤسسة تعليمية، نجاحا كبيرا

رأينا من الامثلة اعلاه، وبشكل واضح، ان دولا من مختلف الثقافات والقارات، نجحت في نهضتها وفي حل مشاكل ما بعد نهضتها خلال جامعاتها. وهذا يؤكد ما ذهبنا اليه اعلاه من ان الجامعات هي عماد النهضة واهم مؤسساتها.

واذا عكسنا ما رايناه اعلاه على وضع جامعاتنا نصل الى السؤال المحير التالي:

إذا كانت مهمة الجامعات توفير التعليم والبحث والتطوير، وبما يحل مشاكل الأمة، فلماذا نجحت جامعات الغرب، ولنقل قبل مائة عام، بالقيام بدورها بنجاح، وقدمت المخترعات من الات بخارية وكهربائية ومن أدوية وأجهزة وأسلحة، ولم تقم أي جامعة حديثة في العالم العربي بإنجاز أي ابتكارات تذكر، واكتفت بالتدريس او بالتلقين، رغم توفر الادوات من الحاسبات والشبكات واهمها الانترنيت طبعا، توفر التواصل السهل بين المؤسسات العلمية وتوفر العلم للجميع؟

لماذا تنتج جامعاتنا خريجين درسوا تاريخ العلوم ، مهندسين جاهزين لبيع او لصيانة مخترعات نظرائهم من مهندسي الدول المتقدمة، ويسمي نفسه بافتخار مهندس صيانة، ويعادله في العالم المتقدم فني صيانة تخرج من مدرسة ثانوية.

أي باختصار: ما حاصل طرح جامعة عربية اليوم من جامعة أوروبية قبل مائة عام؟

سنناقش في المدونة القادمة، شكل البناء الداخلي لجامعة اوروبية، واعني هنا بناء الاستراتيجية و الهيكل العملياتي وادارة الجودة فيها وتحت عنوان المسار المتوسط الجامعات النظام الداخلي

نسأل الله التوفيق والرشاد


2 Comments

Filed under عربي

2 responses to “المسار المتوسط، الجامعات ١

  1. حمدالله مبارك

    الاخ خالد الكيلاني
    حذر تقرير منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) عن العلوم في العالم لعام 2010 من تبعات ضعف الانفاق
    وقال التقرير ان البلدان العربية تفتقر الى قاعدة متينة في مجال العلوم والتكنولوجيا كما أن أداء نظمها الخاصة بالتعليم العالي “لا يزال ضعيفا فيما يتعلق بتوليد المعارف”.

    وقد اشارت المديرة العامة لليونسكو، في توطئة التقرير أنه :”وفقاً لما جاء في هذا التقرير، فغالباً ما تكون المعارف المتعلقة بالعلوم الاجتماعية أقل تطوراً في مناطق العالم التي هي في حاجة ماسة إلى هذا النوع من المعارف. وبالإضافة إلى ذلك، فإن البحوث في مجال العلوم الاجتماعية يشوبها الضعف في هذه المناطق، وذلك بسبب التحيز لصالح اللغة الانجليزية والبلدان المتقدمة الناطقة باللغة الانجليزية. ويمثل ذلك فرصة ضائعة لاستكشاف آفاق ونماذج راسخة في تقاليد ثقافية ولغوية أخرى”.
    تدعم اليونسكو نُهج التعليم بلغتين والنُهج المتعددة اللغات المرتكزة على اللغة الأم، وهي النهج التي تمثل عاملاً مهماً للاستيعاب والانتفاع بتعليم جيد النوعية. وتُبين بحوث أجريت في هذا الشأن أن ذلك يُؤثر تأثيراً إيجابياً في عملية التعلم ونتائجها
    موقع اليونسكوhttp://www.unesco.org/new/ar/education/themes/strengthening-education-systems/languages-in-education/.

    Another highly significant divide is language. As the 2010 World Social Science Report shows, the production and
    circulation of social science are heavily biased towards English and towards the countries where English is most widely
    spoken in academic circles. Such linguistic hegemony does not merely create barriers to the participation of those
    scholars whose English is inadequate for academic communication. It also, and much more importantly, crowds out
    perspectives and paradigms that are embedded in other linguistic and cultural traditions – thereby impoverishing the
    social sciences as a whole.
    .ان موضوع الجامعات في الوطن العربي بحاجة الى مراجعة شاملة
    للوصول الى المخرجات المطلوبة ، وهنا اود ان اشير الى وجود فصل وعزل كامل بين الجامعة والبيئة المحيطة بها من ناحية وعدم الاستفادة من الخبرات العملية الموجودة في السوق
    من جانب اخر ، يمكن التركيز على البدء باعادة هيكلية جامعة او جامعتين للتطوير هياكلها وعملياتها للوصول الى الجودة المطلوبة في المخرجات
    اتمني ان يعالج الموضوع القادم ما يلي:-
    – هل يمكن التوجة في ايجاد التخصص في الجامعات
    – كيف يمكن اجتذاب مدرسين في هذا القطاع الذي يتصف بضعف سلم الرواتب به
    – هل يمكن تقنيين عدد الجامعات لزيادة التركيز على عدد محدود
    – ما هي لغة التدريس في الجامعات
    – كيف يمكن زيادة البحث والتطوير في الجامعات

  2. رائع جدا

    لم أفهم دور البحث العلمي والجامعات في نهضة الأمم من قبل على هذا السياق

    تحياتي وشكرا لك

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s