Category Archives: عربي

Containing All Arabic Articles

الأخلاق، علما وإحياءا

بسم الله الرحمن الرحيم

مدونة رقم  43

استراتيجية مقترحة لبعث الحياة في مكارم أخلاقنا

غطى المريض بجسده القوي الكبير معظم طاولة العمليات، هذا المجرم العتل والذي عانت البلدة من أذاه الكثير، بدا هادئا مسالما تحت تأثير المخدر القوي. وبعد أن هدأت المناشير، أسلم الدماغ دفاعاته لمبضع الجراح البارع، والذي كان يستطيع، بحركة رشيقة من مشرطه، إنهاء حياة هذا المجرم دون أن يستطيع أحد أن يدينه.

تزامن وقت العملية مع وجود خمسة من المواطنين الأكارم الذين قدموا خدمات جليلة للبلد، ينتظرون في المستشفى أن ينقذ حياتهم توفر أعضاء من متوفين مانحين، بل وتكون فائدة الأعضاء أعظم لو كان المانح قوي الجسم كذلك المريض. احتار الجراح ماذا يفعل، أيخلص البلدة من شر المجرم وينقذ خمسة من أخيارها أم يعمل على شفائه؟ سؤال تقليدي في علم الأخلاق، لو وجهه الجراح لأحدنا، فبماذا ننصحه أن يفعل؟ هناك اسئلة كثيرة مشابهة تصادفنا تحتاج إلى مفكرين وباحثين ليجدوا أنسب الحلول العملية التطبيقية، استنباطا من النظريات المختلفة في علم الأخلاق، ومنها الإجهاض وشروطه، والموت الرحيم والحكم بالإعدام وغيرها الكثير.

نهدف في هذا المقال الى تعريف الأخلاق علما وعملا وتاريخا، وتحديد منهجيات وإجراءات مقترحة لبعث الحياة في مكارمها، وذلك من خلال البحث العلمي والتعليم المدرسي.
علم الأخلاق هو أحد فروع علم الفلسفة، والفلسفة هي أم العلوم، وكانت تشمل الطبيعيات والرياضيات والموسيقى والأخلاق وغيرها، وكان كلما نضج علم منها استقل بنفسه عن الفلسفة كما حصل مع الطبيعيات أوعلوم الفيزياء.
يهدف علم الفلسفة الى إرساء التعاريف ألتي تحدد الحسن والقبيح من الأشياء وتميز الصواب من الخطأ من الأعمال، والأخيرة هي الهدف الأساس لعلم الأخلاق .وكما أن العلوم البحتة مثل الفيزياء تولد المعرفة الإنسانية، فإن العلوم التطبيقية مثل الهندسة تأخذ النظريات والمعرفة التي ولدتها علوم الفيزياء، لتبني منها حلولا لمشاكل الحياة الانسانية، وهنا تحصل الفائدة للناس. ولو بقيت المعرفة نظرية دون تطبيق، لما حصل التقدم التكنولوجي الهائل ولا تولدت الثروات الخيالية التي نراها هذه الأيام في شركات المعلوماتية أو الأدوية على سبيل المثال، ثم تعود هذه الثروات لتضخ في البحث والتطوير وإنتاج مزيد من المعرفة وهكذا في دورة خلاقة رائعة تراكم معرفة الأمم المتطورة وثروتها.

وينطبق الكلام نفسه على علم الأخلاق، فهناك علم الأخلاق النظري، وهناك علم الأخلاق التطبيقي. وهكذا تحتاج المجتمعات المتطورة الى إجراء البحث العلمي وتوليد المعرفة لتعالج مشاكل الأمة الأخلاقية الناتجة عن التطور العلمي والتكنولوجي في مختلف القطاعات، ومنها على سبيل المثال تعريف خصوصية الناس على الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي، ومتى يتم انتهاك هذه الخصوصية وصولا إلى وضع منهجية لحماية هذه الخصوصية وقوانين لحفظها.
تعددت النظريات في علم الأخلاق، وسنناقش أهمها هنا. نبدأ بالنظرية الدينية، أولها وليس أهمها، ومنها الوصايا العشر بأن لا تقتل ولا تكذب وهكذا. وهذه النظرية تخاطب المؤمنين بهذا الدين أو ذاك، ولا تشمل المجتمع بكامله، وهي نـظرية قطعية لا تقبل النقاش والمرونة اللازمة لحل المشاكل المتغيرة دائما.

وهناك نظرية المنفعة التي تعتبر أن العمل الذي يعظم الفائدة لمجتمع الفرد أو الدولة هو العمل الصائب، وعليه فإن قتل الجراح للمجرم في مثالنا أعلاه هو عمل أخلاقي، وهي نظرية وضعها المفكران الإنجليزيان (جيريمي بنثام) و(جون ستوارت ميل) اللذان عملا لصالح شركة الهند الشرقية والتي استعمرت الهند وغيرها، وبذلك يكون الاستعمار البريطاني وغيره ونهب الدول المستعمرة واستعباد أهلها إن أمكن، هو عمل أخلاقي حسب هذه النظرية. وهناك أيضا نظرية الواجب، والتي وضعها المفكر الالماني (إيمانيويل كانت) والتي تفرض على كل إنسان أن يقوم بواجبه بإخلاص في خدمة الآخرين، وبذلك يتوجب على الجراح أن يقوم بواجبه في شفاء المجرم، وأن يترك الحكم عليه لقاض يقوم بدوره بواجبه بإخلاص. وهذه نظريات تميز العمل الصواب من العمل الخطأ، ويفسر سلوك الدول الكبرى المتناقض، تبنيها نظرية الواجب داخل بلدها ونظرية المنفعة خارجها. وبالمقابل وضع الفيلسوف اليوناني (أرسطو) نـظرية الفضيلة، وهي نظرية قديمة تقوم على البحث عن الشخص القدوة وتقليده في أعماله لكونها غالبا صالحة لصلاحه، وتزداد شعبية هذه النظرية في هذه الأيام.
إن انهيار الأخلاق في مجتمعاتنا أو في غيرها، إنما هو نتيجة حتمية لغياب المعرفة في هذا المجال، فأين المفكرين وجامعات البحث في مجال النظريات الأخلاقية وتطبيقاتها؟ أين الأبحاث الميدانية العلمية وجمع المعلومات وتحليلها ووضع الحلول وتطبيقها؟ تماما كما تنهار صحة الفم والأسنان لو اختفى طب الأسنان من حياتنا.

وننوه هنا إلى أن مشاكلنا الاجتماعية مثل العنف في الجامعات، إنما هو نتيجة منطقية لغياب العلوم الإنسانية مثل علم الاجتماع عن رادار تعليمنا وأبحاثنا وقوانيننا. هذا ويمكن أن تتحول القواني المعززة إلى أساس أخلاقي، فلما وضعت بعض الدول العقوبات لمن يصدر ضجيجا يزعج جيرانه، وخاصة في وقت متأخر ليلا، إستدعى الجار الشرطة للمزعجين من جيرانه، ولكن بعد جيلين من تفعيل مثل هذه القوانين، أصبح الهدوء في الكلام والحياة طريقة حياة وخلق متبع. وصدق المثل القائل من أمن العقاب أساء الأدب.
يتلألأ الألماس بهاءً وصفاءً وتقديرا، وينحسر الفحم الحجري رخصا وتلويثا، كلاهما مكون من ذرات الكربون، وما يميزهما عن بعضهما هو قوة الرابط بين هذه الذرات. وكذلك المجتمعات، وحتى يكون مجتمعنا رائعا صافيا عظيما في قيمته وقيمه، علينا أن نعمل على تقوية الروابط بين أفراده ومؤسساته، وكلما ازدادت هذه الروابط قوة واستدامة كلما اقتربنا من المجتمع الأمثل.
لقد تميزت مجتعاتنا بمكارم الأخلاق في فترات مختلفة، اشتهرت خلالها مجتمعاتنا بالترابط والتعاون، وتميزت تلك الفترات بمؤسسات عديدة قدمت التطبيق الرائع لمكارم الأخلاق مثل الأوقاف والخلوات والكتاتيب، وساهمت الحركات الصوفية أيضا في نشر هذه الأخلاق الحميدة ومنها الرقة والإحساس المرهف والمحبة، وكذلك حب الإله وحب البشر وحب كل المخلوقات. كان الأغنياء ينتظرون بعد صلاة العشاء وكذلك يتأخر أصحاب الحاجات، ليقوم الغني بمساعدة المحتاج وحل مشاكله بهدوء ومحبة تعزز اللحمة بين الناس. وكان الدين هو المحرك الأقوى والدافع الداخلي للتمسك بمكارم الأخلاق. ولما ضعف تأثير الدين ضعفت الأخلاق، واندثرت المؤسسات القديمة، ولم يتم بناء آليات ومؤسسات بديلة، وهذه من أهم سلبيات ربط مكارم الأخلاق بالتدين. ويدعم هذا المفهوم الحديث النبوى الشريف ”إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق“ إقرارا بأن مكارم الأخلاق مثل التضحية والكرم والصدق وغيرها هي أخلاق مجيدة لدى العرب وغيرهم قبل ظهور الدعوة، فضربوا الأمثال في الكرم بحاتم الطائي والوفاء بالسموأل، فقالوا ”أوفى من سموأل“.
ركزت أمم عظيمة مثل اليابان على فصل الأخلاق عن الدين لتكون واجبا على كل شخص في المجتمع بغض النظر عن عقائده ومدى التزامه بها. ومن هنا أصبحت اليابان تفاخر بانخفاض نسب الجريمة فيها على الرغم من أن لديها نسبة من الملحدين هي الأعلى في العالم. وكانت اليابان، وكغيرها من الأمم، تعتمد على الأسرة لتوعية الأبناء وتوجيههم أخلاقيا، كانت هذه المنظومة فعالة وناجحة حتى بدأت وتيرة الحياة بالتسارع، وهنا تنبأ اليابانيون بأن الأم والأب لن يعود لديهما الوقت لزرع الأخلاق في الأبناء، فقامت استباقا لذلك بالتركيز على زرع مكارم الأخلاق تطبيقا في المدارس، وهي فترة التشكيل الأهم في حياة الانسان، فكان ذلك من خلال منهج متكامل يغطي السنوات التسع الأولى من حياة الطالب وبواقع ساعة على الأقل أسبوعيا ويشتمل على 76 مختلفة تغطي أربعة محاور: النفس، العلاقة مع الآخر، العلاقة مع الطبيعة، والعلاقة مع المجموعة والمجتمع.

إن فترة نقش الأخلاق في الصغر كنقش في الحجر لا يختفي ولا يندثر من خلال الدروس، ولكن في اليابان فإنه يتم أيضا من خلال ألعاب تسلي الطلاب، فمثلا، يقوم عشرة من الطلبة بالدوران حول تسعة من الكراسي، وعندما تنطلق صافرة الأستاذ، يجلس الطلبة على الكراسي، ويفشل الطلبة العشرة إذا لم يجلسوا جميعا على الكراسي التسعة، درس في النجاح الجمعي والاهتمام بالآخر والإحتواء، مقابل لعبة الكراسي الموسيقية التي لعبناها والتي تقوم على النجاح والبقاء للأقوى، باستبعاد الطالب العاشر الذي لم يجلس – ألعاب تعكس ثقافات أصحابها، لذا تغنى العالم ونتغنى جميعا بكوكب اليابان.
تتطلب إعادة الحياة إلى مكارم الأخلاق في مجتمعاتنا توفر النية والقصد أولا لإنجاز ذلك، ويتبع ذلك إدخال تعليم علم الأخلاق في مختلف التخصصات الجامعية، ليتخرج منها الطبيب الأمين والمهندس الصادق، وأن تقوم مؤسسة النهضة بتكليف الوزارات والمؤسسات المختلفة بتفعيل مدونة أخلاق تضمن التزام الموظفين القيام بواجباتهم وتقديم الخدمات المطلوبة منهم بنزاهة وفاعلية، وكذلك تشخيص مشاكل الوزارات والمؤسسات الناتجة عن غياب مكارم الأخلاق، مثل قطع الأشجار الحرجية والاتجار بها، أو تلويث المنتزهات الطبيعية، وتحويل هذه المشاكل إلى مشاريع بحثية لتخصصات العلوم الإنسانية في الجامعات، ليتم تشخيص أصل المرض ووضع الحلول العلمية والقوانين الداعمة له، لنعود أمة تحترم نفسها ويحترمها الآخرون.

Leave a comment

Filed under عربي

اسباب انهيار العالم الاسلامي – الفترة من ١٠٠٠ الى ١٤١٤م

بسم الله الرحمن الرحيم

مدونة رقم ٤٢

الحملات الصليبية – البعد الاقتصادي

ما ان بدأت اوروبا تنتعش اقتصاديا مع نهاية الالف الميلادية الاولى، حتى توافد المقتدرون الاوروبيون للحج الى بيت المقدس. وكما ذكرت سابقا فقد توافق ذلك مع تغير الحكم الفاطمي المتساهل الى الحكم السلجوقي المتشدد مع هؤلاء الحجاج. وتواترت قصص الحجاج عن غنى العالم الاسلامي الخيالي. فتح ذلك شهية الاطراف كلها. طمع الملوك في مزيد من الملك والثروة،  وطمع الامراء والفرسان المؤهلين قتاليا والفقراء ماديا في حكم اراض جديدة وفي حصة من كعكة هائلة من الثروة. ووعد البابا ارقاء الارض في اوروبا بالحرية من الرق اذا حاربوا المسلمين. رأت المدن التجارية الايطالية فرصة نادرة في القضاء على السيطرة الاسلامية الكاملة على التجارة الدولية فساهمت من طرفها في توفير الاساطيل لنقل القوات . وكرست حرب دينية ينخرط فيها ملوك وامراء اوروبا تحت قيادة البابا الزمنية والدينية لاوروبا. ولا نستثني طبعا وقود الحروب من الجنود الاتقياء المـؤمنين بالاهداف العليا للمعركة والذين يموتون لتحقيق دنيا الاخرين. كان تأثير الحروب الصليبية الاقتصادي على بيزنطة وعلى العالم الاسلامي ابعد مدى ً وأشد سوءا من التأثير العسكري. والذي ادى الى انهاء دور العالم الاسلامي كمركز للتجارة الدولية، وانهى دور اللغة العربية كلغة عالمية للتجارة والثقافة، وانتقل كل ذلك الى اوروبا . وعلى المدى الطويل، كرس ذلك فقر العالم الاسلامي.

قامت الحملة الصليبية الرابعة سنة  ١٢٠٢م، بأمر البابا اينوقنتيوس الثالث لمهاجمة مصر مركز القوة الاسلامية، ولكن التجار الطليان امروا سفنهم بالاتجاه الى القسطنطينية سنة ١٢٠٤م، ونهبوا ثرواتها ومكتباتها واغروا علماءها، وكان لهذا النهب اثرا كبيرا في انتهاء الامبراطورية البيزنطية وفي اطلاق النهضة الاوروبية، مثلما ساعد في قيام هذه النهضة سقوط الاندلس وصقلية بأيدي الاوروبيين. ولقد اكتفت هذه الحملة بفتح القسطنطينية ونهبها ولم تستكمل خطة اطلاقها بالهجوم على مصر وتدمير القوة الاسلامية الاساسية في الشرق. لقد دمرت هذه الحملة  قدسية الحملات العسكرية الصليبية في اعين الاوروبيين. قام البسطاء مرة اخرى بتجريد حملة فوضوية سنة ١٢١٢ تذكر بالحملة التي قادها بطرس الناسك، وضمت البسطاء وبعض الاطفال، وكانت ردا عفويا على فشل الملوك والفرسان في تحقيق النصر.  عرفت هذه الحملة بجيش الاطفال، وقد فشلت وتشتت قبل ركوبها البحر وقام تجار العبيد ببيع معظم المشاركين في اسواق النخاسة.

هزم الجيش المصري المغول في موقعة عين جالوت عام ١٢٦٠م، ولا تخفى رمزية اسم المكان وانتصار داوود عليه السلام مقابل جالوت العملاق. وكانت اول هزيمة للمغول منذ خروجهم من الصين، وقام الظاهر بيبرس بالقضاء على الوجود الصليبي في الشرق الاوسط فيما عدا طرابلس وعكا ومواقع اخرى صغيرة. استرجع الجيش المصري بقيادة السلطان المملوكي قلاوون طرابلس عام ١٢٩٠م، وحرر ابنه الاشرف خليل عكا وباقي المواقع عام ١٢٩١م، وبذلك انتهى التواجد الصليبي في بلاد الشام. استمرت حملات ضعيفة في الشرق، ولكن الحملات في الاندلس كانت اقوى وانجح وادت الى انهاء الوجود الاسلامي في اسبانيا عام ١٤٩٢م.

 خلفت الحروب الصليبية حساسية عالية عند المسلمين ضد الاوروبيين، وساءت العلاقات بين الشركاء التجاريين التاريخيين. سعت اوروبا للبحث عن طرق اخرى للوصول الى البضائع الهندية والصينية خارج سيطرة المسلمين. استعان فاسكو دو غاما بالعالم المسلم ابن الماجد ونجح في الالتفاف حول راس الرجاء الصالح والوصول الى الهند عام ١٤٩٨م واطلق هذا النجاح الامبريالية الاوروبية في العالم، والتي ما زال العالم الاسلامي وامم اخرى تعاني منها ومن تبعاتها ليومنا هذا. ومن ناحية اخرى انطلق كريستوفر كولومبس يبحث عن الهند عن طريق الدوران حول الارض، تجنبا للمرور بالعالم الاسلامي،  ليكتشف العالم الجديد. حدثان هامان اثريا اوروبا ووضعا حدا لغنى العالم الاسلامي الذي افتقر تجاره وبالتالي تدهورت اوقافه وصدقاته التي كانت تمول خدمات المجتمع المدني من تعليم وصحة ورعاية اجتماعية وغيره.

وفي الخاتمة، فشلت الحملات الصليبية (١٠٩٦-١٥٠٠)م في الاحتفاظ بوجود لها في الشرق الاسلامي وانتصرت وانهت الوجود الاسلامي في الاندلس. الا ان تأثيرها الاقتصادي بعيد المدى كان الضربة الاكبر والسبب الادوم في القضاء على الثروة الاسلامية، وانتقال مركز التجارة الدولية من العالم الاسلامي الى اوروبا، واطلاق الامبريالية الاوروبية في العالم، وانهاء اللغة العربية كلغة عالمية. ونتلمس هنا بذور وجذور الوضع الحالي المتهلهل للعالم الاسلامي.  وما اشبه الليلة بالبارحة

نسأل الله التوفيق والرشاد

خالد الكيلاني

وأسأل احبتي القراء الكرام مساعدتي في نشر هذه المدونة وتعميمها ودعوة الآخرين الى الاشتراك فيها ان أحسوا انها ذات فائدة للامة، مع شكري وامتناني

وللاستفادة القصوى، اقترح قراءة المدونات بترتيبها العددي التصاعدي ابتداءا من المقدمة ثم من مدونة رقم ١ الى الاعلى

Leave a comment

Filed under عربي

اسباب انهيار العالم الاسلامي – الفترة من ١٠٠٠ الى ١٤١٤م

بسم الله الرحمن الرحيم

مدونة  ٤١

وضع العالم الاسلامي في بداية الفترة من ١٠٠٠ – ١٤١٤م

الحركات الباطنية السرية

نقش كسرى انو شروان على بوابة قصره جملة راحت مثلا وحكمة قال فيها ان “العدل اساس الملك”.  ولما تحقق  كسرى من شكاوى المواطنين ان ابنه وزوج ابنته ينافسون الناس ارزاقهم في السوق، امر بشنقهم على قوس البوابة وتحت الجملة الحكمة. يومها حكمت فارس العالم، وعندما فسدت انهارت واندثرت كدولة. وكذلك الدولة العباسية وبعد ان تنكرت لشعاراتها في العدل والمساواة والشورى والدعوة الى آل البيت عليهم السلام، والتي رفعها دعاتها ضد الامويين، واستحضروا الجنود الاتراك لحمايتهم في الداخل والخارج وليحموا بذخا وفسادا ونعيما غير مقيم، احضروا اناسا من قفار آسيا جلاف قساة، لم يتمكن الاسلام من قلوبهم بعد. لا بد هنا ان نستثني الفترة الذهبية للسلاجقة. وافترض الحكام العباسيون ان انعدام القاعدة الشعبية لهم في الدولة تمنع طمعهم بالحكم، وان ولاءهم  سيكون مطلقا وان قسوتهم وقمعهم لغير اهلهم اسهل عليهم. احس هؤلاء الاتراك بقوتهم وبأنهم اولى بنعيم هم حماته وهم جبروته، فاقتسموا الامبراطورية بينهم وفرضوا على الناس ضرائب اقسى وكانوا فعلا اقسى على غير اهلهم من المسلمين. وازداد الناس فقرا على فقر، وازداد الظلم ظلاما علي ظلام، والظلم يلد الكفر، وولد الظلم الكفر. وانطلقت الدعوات السرية تدعو الناس الى دين جديد مغلف بحب وبنصرة آل البيت عليهم السلام. وعملت هذه الدعوات على تدمير الدولة والدين بالرعب وبالاغتيالات وبالتآمر مع الغزاة الاجانب، ودمروا رأس المال الاجتماعي للامة من حرية وايمان وامان واخلاق وثقة وابداع.

تأسست الامبراطورية العباسية عام ٧٥٠ م. وما ان انقضت المئة عام الاولى من عمرها ومع حكم المتوكل، حتى انطلقت ثورة الزنج في جنوب العراق(٨٦٩م-٨٨٣م). ثورة الجياع المحرومين الذين التفوا حول قائد مختلف فيه، اهو من آل البيت عليهم السلام، ام هو مسلم ام مجوسي . ولكن الحقيقة تبين ان هؤلاء العبيد الذين كانوا يعملون في تجفيف وزراعة اهوارالعراق مقابل اقل من القليل ويقال انهم عملوا مقابل وجبة من طعام يوميا، كانوا جاهزين للثورة وللموت خلاصا من حياة اقسى من الموت. التفوا حول من وعدهم بالعدل وبالمساوة والمشاركة بالشورى تحت راية آل البيت. دافعوا باقتناع عن ثورتهم الأمل،  حتى ورد في بعض الروايات ان ثلاثة آلاف منهم هزموا جيشا عباسيا من ثمانين الف مقاتل. وتوالت الثورات في ارجاء الامبراطورية يغذيها الـظلم والقهر والحقد. ثورات التفت حول اية دعوة واي داعي. تهاوت الدولة وما ان انقضت المئة الثانية من حكم العباسيين، حتى كانت بغداد تحت حكم البويهيين، واضحى الخليفة العباسي اسما يدعى له على المنابر واصبحت الامبراطورية مقسمة بين السلاجقة والبويهيين والفاطميين والامويين في الاندلس وغيرها من امارات ودول في اقصى الشرق. وتحاربت هذه الدول فيما بينها امعانا في اضعاف الامة امام القادم الجلل.

قام الدعاة الاسماعيليون بالدعوة الى الامام اسماعيل بن الامام جعفر الصادق  رحمهما الله. ونجح حمدان بن قرمط بالاستقلال بالبحرين وما حولها، واقام دولة رعاية اجتماعية ومساواة اقرب ما تكون الى شيوعية ماركس. هاجم القرامطة مكة المكرمة سنة ٩٢٩م، بقيادة ابي طاهر القرمطي، وقتلوا ثلاثين الفا من اهلها وسبوا ونهبوا واخذوا الحجز الاسود الى البحرين وتعطل  الحج اثنين وعشرين سنة. الى ان قضى على دولتهم ملكشاة السلجوقي بايعاز من الخليفة العباسي وضم مناطقها الى ملك السلاجقة. و نجح الدعاة في المغرب واعلنوا عبيد الله الفاطمي اماما واسسوا الدولة الفاطمية في شمال افريقيا ومصر والحجاز والشام بمساحة تتجاوز اربعة ملايين كم مربع. ولم يقبل القرامطة امامته وتحارب الاسماعيليون والقرامطة فيما بينهم، وذكر بعض المؤرخين ان القرامطة مختلفين عن الاسماعيلية. وتفرع الحشاشون من الاسماعيليين، وهم النزارية او جماعة الاغا خان، وفرع المستعلية ومنهم البهرة الحاليين في الهند والصليحيين في اليمن، ومنهم ايضا الدروز وهذه الجماعات سرية باطنية دينها خليط من الديانة الهندوسية والفلسفة اليونانية والمثنوية (اي وجود اله خير واله شر كما في المجوسية او الزرادشتية)، وقد اعفوا الاتباع من الفرائض، بعد ان تظاهروا تقية بالاسلام في فترات ضعفهم، وقد كفرهم السنة والشيعة على السواء. وكانت اشد الحروب بينهم وبين السلاجقة

ذكر الخبير الاستراتيجي كيتان باتيل في كتابه الرائع “ الاستراتيجي العظيم” ان تعطيل الحياة العامة وبث الخوف والرعب، والقضاء على ثقة الناس بعضهم البعض في مجتمع ما،  هو اهم سلاح للضعيف امام خصم متفوق. ونرى حديثا ان قنابل من صنع منزلي، انفجرت في شبكة القطارات البريطانية عام ٢٠٠٥، كلفت بريطانيا قتلى وجرحى مدنيين ابرياء والكثير من الانتاجية والقلق وتعطيل الحياة والروتين اليومي للحياة، وتأثرت العملات  واسواق المال والاسهم والسندات. ويضيف باتيل بان اهم سلاح لدى القوي ان يجعل خصمه تافها. ويتم ذلك بأغراق مجتمع الخصم بالاعلام التافه وبتدمير ثقافته ولغته وعقيدته وتراثه، وهي عوامل نهضته. ويتم كذلك بافتعال القوي المشاكل للضعيف، مشاكل يمتلك القوي عناصر حلها فيحلها بحل تافه حتى يتعود الخصم الضعيف ان يواجه المشاكل الكبيرة بحلول تافهة. وما عملته الحركات السرية مثل الاسماعيلية هو بث الرعب والخوف وتدمير الثقة بين الناس، واغتالوا القادة والعلماء ودعاة النهضة والوحدة حتى اسقطوا الامبراطورية الاسلامية واقاموا دولتهم. عندها تصرفوا تصرف القوي في تدمير دين الامة واخلاقها وتعاونوا مع الصليبيين ضد السلاجقة. وتهاوت قوة الامة امام الاخطار القادمة.

ان اسوأ ما يمكن ان يواجه امتنا ان نكون في وضع الدولة العباسية، حرمانها من الحرية والعدل والمساواة للجميع والشورى او الديمقراطية، وان نحتمي بقوة قمعية غريبة، اضف الى ذلك السماح بوجود الجمعيات السرية والاخويات التي تدمر اسس الامة وتعمل على تدمير الدولة.  تغتال الحركات الباطنية الشخصيات المخلصة اما قتلا أو سمعة وتبعدهم عن العمل العام ويتم الاستئثار بالمناصب العليا بترشيحهم اخوانهم بظاهر اخلاص للحكام، وهم في الحقيقة عصابة سرية واحدة، يتناصر افرادها للمغانم والعطاءات والعطايا، وتتركز عندهم الثروة، وولاؤهم للغريب العدو، ويزداد عند الامة الفقر والقهر وبالتالي الكفر بكل مقومات نهضة الامة من ثقافة وتراث وعقيدة.  ويتحمل الحاكم غضب وكراهية الشعب نتيجة فسادهم وافسادهم. وتنعدم الثقة بالآخرين ويلف الضباب المشهد العام. وتأتي السنوات الخداعات، ويجف الامل وتموت الهمة، ويختفي الابداع والانتاج  وتصبح الامة افرادا حياري لا يجدون الحق والحقيقة ولا يعرفون للخلاص طريقا، ويحل الهوان، وما اشبه الليلة بالبارحة

نسأل الله التوفيق والرشاد

خالد الكيلاني

وأسأل احبتي القراء الكرام مساعدتي في نشر هذه المدونة وتعميمها ودعوة الآخرين الى الاشتراك فيها ان أحسوا انها ذات فائدة للامة، مع شكري وامتناني

وللاستفادة القصوى، اقترح قراءة المدونات بترتيبها العددي التصاعدي ابتداءا من المقدمة ثم من مدونة رقم ١ الى الاعلى

Leave a comment

Filed under عربي

اسباب انهيار العالم الاسلامي – الفترة من ١٠٠٠ الى ١٤١٤م

بسم الله الرحمن الرحيم

مدونة ٤٠

وضع العالم الاسلامي في بداية الفترة من ١٠٠٠ – ١٤١٤م

الحروب الصليبية – ١

توالت الحروب الصليبية على العالم الاسلامي، فكانت الحملة قبل الاولى سنة ١٠٩٥ مكونة من رعاع الاوروبيين، حشدهم الراهب بيتر الناسك من فلاحين ومهنيين وعاطلين. هزمهم الامير اليج ارسلان السلجوقي بسهولة وفر من بقي منهم الى بيزنطة. تبع ذلك الحملة الاولى سنة ١٠٩٦ يقودها اشراف اوروبا وتتكون من فرسانها المحترفين المتمرسين، وقد حشد البابا اربان الثاني هؤلاء لاسترجاع بيت المقدس وتحرير الاراضي البيزنطية. هزم الصليبيون السلاجقة واسسوا الممالك الصليبية الاربعة في الشرق الاسلامي في الرها وانطاكية وطرابلس والقدس. وكانت هذه الحملة هي الانجح والاكثر وحشية. لقد ارتكب الصليبيون المذابح في المدن التي قاومتهم مثل انطاكية وفي المدن التي سالمتهم مثل المعرة. وابادوا اهل القدس من المسلمين واحرقوا سكانها من اليهود في معبدهم الذي التجأوا اليه. وصادروا اموال المسيحيي ن الشرقيين ونفوهم من القدس باعتبارهم مسيحيين ضالين، مثل الارثوذكس والنساطرة واليعاقبة. وقدر المؤرخون عدد القتلى في القدس بسبعين الفا. لقد فشل المسلمون في تحليل وفهم الخطر الصليبي وفي مواجهته، بل تحالفوا مع الصليبيين ضد اخوانهم في حروب تنافسية تافهة، وفشلوا في الاستفادة من مواطن قوتهم في المراحل الاولى لهذه الفترة.

على الرغم من تصريح محاربي الحملة الاولى عن طبيعة غزوهم الديني للاراضي الاسلامية، وعن نيتهم القضاء على الاسلام، لم يأخذهم المسلمون على محمل الجد، واعتبروهم مجموعة عرقية وسموهم “الفرنجة،” من كلمة Franks, ولم تأت تسمية هذه الغزوات بالحملات الصليبية الا في اوقات متأخرة. وعندما حاصر الصليبيون انطاكية، استنجد ملك انطاكية بملك دمشق ويدعى داقوق. اراد داقوق ان يساعده ولكنه خشي ان ينقض اخيه رضوان ملك حلب على دمشق ويضمها لملكه. وانشغل ملك الموصل في معركة جانبية في الطريق لنجدة ملك انطاكية التي سقطت اخيرا للصليبيين. امعن الصليبيون في قتل اهل انطاكية. انتقلوا بعدها لحصار المعرة. استعانت المعرة بالمسلمين ولا مجيب. جاع الصليبيون مع طول الحصار. وعدوا اهل المعرة بالعفو وبالسلام. ولما وافقت المعرة وفتحت ابوابها، فعل الصليبيون في المعرة اسوأ من ما فعلوا في فيما سبقها من المدن الاسلامية مثل نيقية وانطاكية. ذكر امين معلوف في كتابه الحروب الصليبية ان المؤرخين المسلمين اوردوا ان الصليبيين طبخوا اطفال المسلمين وقتلاهم واكلوهم واكد ذلك اوروبيون شهدوا الموقعة مثل رالف دو كاين، وكتب البرت دو إكس مؤرخا “ لم يأكل الصليبيون لحوم القتلى من الاتراك والعرب فحسب، بل انهم اكلوا لحم الكلاب ايضا.” لم يحرك هذا الذل وهذه المذابح والبشاعات عقول وقلوب المسلمين، صدمة تحرك الاموات عجزت ان تحشد فيهم طاقة المقاومة والوحدة والتخلي عن الانانية. وكان هذا الوهن من اغرب قصص فترة الحروب الصليبية.

تخلى المسلمون عن عناصر قوتهم وفشلوا في التعبئة الدينية المقابلة وفي تشخيص حجم الهزيمة وحقيقة اهداف المعركة. اعتبروا ان الغزاة الى زوال قريب. وانهم عارض مؤقت. ونرى دائما هذا التصور موجودا في تلك المنطقة من العالم. وساعد هذا التصور في محاولة كل امير تحسين امارته وثروته بأي ثمن. لقد ساهم امير حلب “المسلم” بثلث جنود تانكريد ملك انطاكية الصليبي في حربه ضد جاوالي امير الموصل المسلم . ورفض الخليفة العباسي في بغداد تقديم اي دعم، واعتبرت الدول الاسلامية البعيدة ان هذه الحرب شأن لا يعنيها. كان التخاذل والتهاون والتفكير السطحي سادة الموقف. ان الجهاد ضد المعتدي لا يقبل التأويل لشدة وضوحه في القرآن الكريم. وكان مفهوم الجهاد قد ذوى عند المسلمين ربما لبعدهم عن الحدود المحاربة للاعداء بسبب اتساع الدولة، ولضعف الدول وقياداتها. احتاجت الامة الى حوالي خمسين عاما من الاحتلال ليظهر قائد فذ مثل نورالدين زنكي في الموصل، ويبدأ بتوحيد الدويلات الاسلامية بالسيف وليطلق حملة تعبوية سليمة، وكان على نهج التدين والتواضع والعيش مع جنوده كانه احدهم. وكان على ثقة بالنصر حتى انه امر ببناء منبر الاقصى في حلب بعد فتحها. وارسل صلاح الدين الايوبي وعمه الى مصر وحكمها صلاح الدين وانهى حكم الفاطميين الذين كانت دولتهم قد ضعفت وكانوا قد انقسموا على انفسهم. وتولى صلاح الدين قيادة الامة ضد الاحتلال بعد ان توحدت مصر وسوريا وشمال العراق والحجاز. حارب صلاح الدين الصليبيين ثمانية عشر عاما ومولت مصر جيوش المسلمين بالرجال والسلاح والتزويد من طعام وملابس وغيره حتى حافة الافلاس. ولا ينكر احد فضل مصر على العالم الاسلامي وخاصة بعد امتناع الخليفة العباسي دعم صلاح الدين وخزائنه مملوءة بالذهب والمال. لقد خشي ان يسلبه صلاح الدين الملك ان انتصر على الصليبيين. وهزم صلاح الدين الصليبيين واستعاد القدس ونظف الاقصى من الاوساخ والنجس حيث استعمله فرسان الهيكل اسطبلا لخيولهم . ووضع منبر الاقصى مكانه كما اراده نور الدين.

تآمر المسلمون ضد بعضهم وتحالفوا مع عدوهم ضد اخوانهم طمعا بالملك والخلد، وغيبت زحمة التنافس عقولهم واستشرافهم لحجم التدمير الوجودي لكيانهم. لقد تكاثرت عليهم الامم واصابهم الوهن وكما انبأهم الرسول ص (يوشك ان تتداعى عليكم الامم كما تتداعى الاكلة على قصعتها، قالوا: اومن قلة يارسول الله؟ قال (صلى الله عليه وسلم): بل انتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من قلوب اعدائكم منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال (صلى الله عليه وسلم) : حب الدنيا وكراهية الموت).  وغفلوا عن مواطن قوتهم، ولم نسمع عن قيادة فكرية يلجأ اليها الحكام والافراد للتوجيه والحكمة الا في مرحلة لاحقة. وبينما كانت اهداف الكنيسة ومدن ايطاليا التجارية انهاء الاسلام وجودا وسيطرة جغرافية وتجارية، عاش امراء المسلمون في فقاعات تافهة، فنيت وافنتهم ولم تغن احدا شيئا. ولم يتعلموا ان قليل دائم خير من كثير منقطع. وما اشبه الليلة بالبارحة.

نسأل الله التوفيق والرشاد

خالد الكيلاني

وأسأل احبتي القراء الكرام مساعدتي في نشر هذه المدونة وتعميمها ودعوة الآخرين الى الاشتراك فيها ان أحسوا انها ذات فائدة للامة، مع شكري وامتناني

خالد الكيلاني

Leave a comment

Filed under عربي

اسباب انهيار العالم الاسلامي – الفترة من ١٠٠٠ الى ١٤١٤م

بسم الله الرحمن الرحيم

مدونة ٣٩

وضع العالم الاسلامي في بداية الفترة من ١٠٠٠ – ١٤١٤م

زرعت الفتنة الكبرى بين الامام علي كرم الله وجهه ومعاوية بن ابي سفيان، بذور انقسام وضعف وانهيار الامة الاسلامية . انقسم المسلمون الى شيعة وسنة . وقضت حروب الفتنة على خيرة من السلف الصالح من صحابة رسول الله ص.  وانتهت الشورى ودخل العالم الاسلامي تحت حكم قومي علماني وراثي حيد مواطن القوة والتمكين في نظام الحكم الاسلامي. اذ استبدل الامويون العدل والمساواة  اللتين ارسى الاسلام اسسهما وسن الرسول ص عليهما نصا بخطبة الوداع بان لا فضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى، استبدلوه بنظام الموالي الذي فضل العرب على العجم وغيرهم. واصبح بيت المال مشاعا للحاكم يشتري به الذمم والاتباع. دعى العباسيون الى آل البيت والى تصحيح فساد الامويين، وتبعهم الناس وخصوصا ممن اسلم من الاجناس الاخرى والتى شعرت بالخداع والظلم من عجم وغيرهم، وبعد انتصارهم على الامويين، انقلب العباسيون على من دعمهم بعدما وصلوا الى الحكم، فاعلنوا البيعة لآل العباس وابادوا الامويين في مأدبة فر منها عبد الرحمن الداخل، واضطهدوا آل البيت، وقتلوا ابا مسلم الخراساني الذي اوصلهم الى الحكم، وساروا في خط الامويين في الحكم وفاقوهم في البذخ والانفاق والقصور والترف، وكما نستثني من فساد الامويين الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز، فاننا نستثني من العباسيين قليلا من خلفائهم كانوا صالحين. احتاج الخلفاء العباسيون  الى حرس موال لهم، مرتبط بهم، بلا قاعدة شعبية. فبدأ المأمون بشراء صغار الاتراك وتدريبهم واتخذهم حرسا وجندا. توسع هذا الجيش بوصول المعتصم الى الحكم  الذي كانت امه تركية. ودخل كثير من الاتراك الاسلام تعصبا لكون الخليفة قريبهم. ومع الوقت اصبح الجنود الاتراك يشغلون المناصب العليا في الجيش وفي الحرس الخاص بالخليفة، واحسوا بقوتهم فاصبحوا يتحكمون في تعيين وعزل الخلفاء و سيطروا بعد ذلك على الحكم واصبح السلاجقة هم السلاطين واصبح الخليفة رمزا يدعى له بالمنابر. وخلال المئة الاولى بعد الالف الميلاد كانت الامبراطورية العباسية مقسمة الى دول وامارات متنازعة، يحكمها ضعاف القلوب والنفوس. فلم تدخل الاندلس اصلا  في حكم العباسيين وبقيت اموية بقيادة عبد الرحمن الداخل، وانقسمت سنة ١٠٣٠م تقريبا الى اثنين وعشرين دويلة متحاربة عرفت بفترة ملوك الطوائف، ووصل الأمر إلى أن ملوك الطوائف كانوا يدفعون الجزية للملك الفونسو السادس، وكانوا يستعينون به على أخوانهم. ، وكانت مصر والحجاز وجنوب الشام في يد الفاطميين  وحكم امراء السلاجقة مدن الشام والعراق وبعضا من الاناضول  وظهرت دول اخرى كثيرة في الشرق مثل الدولة الغزنوية. وبمثل هذا الضعف والانقسام والاحتراب الداخلي استقبل العالم الاسلامي المصائب الكبرى التي ادت الى انهياره الاول، وهذه المصائب هي اولا الحروب الصليبية ثم الغزو المغولي وبالحشاشين والطاعون الاسود والغزو التتاري. وسنبدأ آولا بالحروب الصليبية

هزم المسلمون السلاجقة بقيادة ألب ارسلان الجيش البيزنطي بقيادة الامبراطور رومانوس هزيمة منكرة في معركة ملاذكر١٠٧١م.  وقع الامبراطور في الاسر .  احسن السلاجقة الى الامبراطور وارسلوه مكرما الى القسطنطينية مع هدايا واتفاق حسن جوار وذلك على الرغم من تنكر رومانوس لاتفاقية سلام وقعها في العام ١٠٦٩م. اقام الامبراطور في ضيافة المسلمين اسبوعا وعاد ليجد ان من خانه في الحرب قد تسلم مكانه. سمل الامبراطور الجديد عيون رومانوس الرابع فعمي ونفاه الى جزيرة بعيدة. اطلقت الامبراطورية البيزنطية ناقوس الخطر في اوروبا.  ان اوروبا مهددة بالاجتياح من المسلمين،  وكانت معركة عظيمة تسببت في عواقب كبيرة. ضعفت دولة السلاجقة بعد القادة العـظام مثل ألب ارسلان وملكشاه وبعد وزير اسطورة مثل نظام الملك،  وتقاسم الامراء تركة الاباء وحسبوها تورثا واصبحت كل مدينة دويلة، فحمص وحلب ودمشق وحماة والموصل دويلات  يحكمها اخوة يتقاتلون فيما بينهم.

هدأت الحروب في اوروبا واستقر الغزاة مثل القبائل الالمانية وقبائل الهون والفايكنج، وعاد الفرسان والمحاربون الى المدن. اقطع الملوك القلاع والمناطق لمن خدمهم من الفرسان واصبحت هذه القلاع والاراضي ملكا للابن الاكبر حسب نظام الميراث الاوروبي. وبقي غير الورثة من حملة الالقاب من نبلاء اوروبا معدمين ماليا ولا يتقنون سوى القتال. متحفزون لحروب تدر عليهم الغنائم والاسلاب والاملاك. وكان على البابا والملوك الاروربيين اطلاق طاقاتهم خارج دولهم  لمنع تحاربهم في الداخل.

تحسنت الاوضاع الاقتصادية في اوروبا وابتدأ الاوروبيين بالحج الى فلسطين باعداد اكبر. تزامن ذلك مع سيطرة السلاجقة على الشام وفلسطين. كان  السلاجقة حديثي العهد بالاسلام وتعاملوا مع الحجاج المسيحيين القادمين من اوروبا بخشونة اهل البادية، وباهانات وفوقية فظة مخالفة لتعاليم الاسلام، وخصوصا اذا ما قيست بلطف الفاطميين مع هؤلاء الحجاج. ونذكر هنا ان الحكام السلاجقة كانوا يعاملون المسلمين غير الاتراك بنفس الجلافة ولم يميزوا كثيرا بين جمع الضرائب ونهب الناس ممن تحت حكمهم من المسلمين. وعاد الحجاج الى اوروبا بقصص مثيرة عن حجم الغنى والثراء والترف الذي يعيشه المسلمون. التقط البابا شكاواهم وتوصيفهم لثروة الشرق. فوجد في غزو الشرق حلا لمشاكل اوروبا المذكورة اعلاه. ولاسترجاع الاراضي البيزنطية التي احتلها المسلمون.  ضخم البابا الامر وطالب الملوك والامراء والفرسان بإطلاق آلة القتل ضد المسلمين ووعدهم بالغنى والثروة والارض والغفران. وشجعت المدن التجارية الايطالية الغزو طمعا في كسر سيطرة المسلمين على تجارة الشرق، فسخروا اساطيلهم البحرية لنقل الجيوش

دبت الخلافات بين الفاطميين في مصر في العام ١٠٩٤ وانقسموا الى نزارية ومستعلية، خلافا على الملك، وقام حسن الصباح بالسيطرة على قلعة الموت في ايران  وآلى على نفسه نصرة الفاطميين النزاريين ونشر دينهم ومنع اتحاد اعدائهم واهمهم السلاجقة الذين احتلوا من الفاطميين بلاد الشام وخصوصا بيت المقدس. قام الحشاشون انصار الحسن الصباح باغتيال افضل القادة الاستراتيجيين المسلمين في تلك الفترة وهو نظام الملك وبعده ملكشاه. لقد اغتال الحشاشون كل من حاول جمع الصف الاسلامي لمقاومة الغزو الصليبي حتى لا ينقضوا بعدها على الفاطميين. ودفع الحشاشون الاسماعيليون الجزية للصليبيين وبثوا الرعب في العالم الاسلامي

كان المسلمون في غاية الضعف السياسي والعسكري والانقسام والاحتراب الداخلي عندما توالت عليهم المصائب، وقامت الكنيسة والرهبان مثل بيتر الناسك بتهييج الاوروبيين الاميين ضد المسلمين في حرب دينية توغر الصدور وتملأ القلوب بالانتقام ولتخليص القبر المقدس من سيطرة الكفرة المسلمين. علما بان الحجاج لم يتم قتلهم او  سلبهم في فلسطين ولكن الاوروبيين وجدوا لمشاكلهم حلا في ثروات وبلاد المسلمين وما اشبه الليلة بالبارحة.

.سنتابع معا في المدونات القادمة ان شاء الله، اوضاع العالم الاسلامي وخلفياته قبيل الانهيار الاول، حتى نستخلص العبر منها

نسأل الله التوفيق والرشاد

وأسأل احبتي القراء الكرام مساعدتي في نشر هذه المدونة وتعميمها ودعوة الآخرين الى الاشتراك فيها ان أحسوا انها ذات فائدة للامة، مع شكري وامتناني

خالد الكيلاني

Leave a comment

Filed under عربي

Fundamentalism

بسم الله الرحمن الرحيم

مدونة رقم ٣٨

What is Fundamentalism?

Islamic Fundamentalism, or more precisely, Islamic Radicalism[1] has common features apparent in all religions. The fundamentalists are disenchanted with modernity. They believe in the literal truth of their text, and they commit to fundamentals. They believe in a cosmic struggle, and that they witness its climax and the coming of their redeemer. Lastly, they are uniquely aware of a major world conspiracy.[2] One might add their tendency to adopt violence, and end up liquidated by the beneficiaries of the status quo. This blog looks briefly on three thinkers, Taqi al-Din Ahmad ibn Taimiyya (1263-1328), Hasan al-Banna (1906-1947) and Sayyid Qutub (1906-1966), share most of these common features of fundamentalism. Ibn Taimiyya fits the criteria best.

Ibn Taimiyya witnessed an age of decline and defeat of Muslims by less civilized invaders. Crusaders then Mongols who ended the fragile Abbasid Caliphate. The Islamic institutions survived their presence. Materialistic and scientific Modernity went mostly from Muslims to these invaders. Ibn Taimiyya fought the heretical modernity and innovations embodied in Sufi worship of saints and Pantheism. He thought of them as the vanguards of the anti-Christ. He stated that Sufis precipitated the catastrophe of the Mongols as God’s punishment. Ibn Taimiyya denounced philosophers’ search for knowledge outside the revelation.[3]He strongly promoted Unitarian belief and the supremacy of the revelation over consensus, Ijma’ and logical analogy, Qiyas. He attacked bars and broke bottles of wine. He lived in an Islamic state that he sought to revive. Finally, he died in prison.

Hasan al-Banna was also a fundamentalist but with different priorities. He focused on liberation of Egypt and of Muslims and on creation of a free Islamic state.[4] Egypt was under direct and full control of the British, who installed their systems in government, education, and justice.[5] Banna established the most successful modern Islamic party, The Muslim Brotherhood. Banna appreciated this invader’s superior scientific, industrial and military achievements. He directed Muslims to stick to fundamentals and reject the British delinquent life and cultural influence. His group grew fast. The Muslim Brotherhood opened offices all over Egypt and offered medical care and basic needs. He adopted military struggle against corrupt officials and the British. The Brotherhood also supported the Palestinians in their fight against the Zionists.[6] The security police of the royal regime believed to have assassinated Banna. Sayyid Qutub succeeded him.

Sayyid Qutub leadership of the Brotherhood lived under Naser, a secular Egyptian ruler who imprisoned Qutub. This radicalized him watching his fellow Muslims tortured and killed. Qutub saw the world going back to Jahiliah or the time before the revelation,[7] and “buried under the debris of man-made traditions of several generations.”[8] . He stated that Democracy and Marxism are on the decline and Islam has the needed values to lead the world.[9] Qutub valued western scientific and industrial progress. He also preached using force against tyrants. Naser ordered him executed.

In conclusion, among the three thinkers Ibn Taimiyya was the closest to fundamentalism. Their focus changed according to their conditions. While Ibn Taimiyya called on followers to activate Islamic institutions of a corrupt Muslim state, others called for building of an Islamic state. Banna and Qutub echoed the thoughts of Jamal al-Din al-Afghani (1838-1896) of pan-Islamism and rejection of western culture while accepting western scientific modernity. The thoughts of these thinkers still dominate and inspire various Islamic movements across the Muslim world.

نسأل الله التوفيق والرشاد

خالد الكيلاني

[1] Taqi al-Din Ahmad ibn Taimiyya, “Against Heretical Innovation” (14thCentury), in John Alden Williams, ed., The Word of Islam (Austin, TX: University of Texas Press, 1994), 164-69. Cited in The Middle East and Islamic World Reader, edited by Marvin Gettleman and Stuart Schaar (New York: Grove Press, 2012), 297

[2] Sebastian Prange, Nationalism and Fundamentalism in The Twentieth Century, UBC HIST280 Course, Lecture on Mar 23, 2015.

[3] Thaqi al-Din Ahmad ibn Taimiyya, “Against Heretical Innovation” (14thCentury), in John Alden Williams, ed., The Word of Islam (Austin, TX: University of Texas Press, 1994), 164-69. Cited in The Middle East and Islamic World Reader, edited by Marvin Gettleman and Stuart Schaar (New York: Grove Press, 2012), 299

[4] Hasan al-Banna, “Between yesterday and today,” (late 1930s), in Five tracts of Hasan al-Banna, edited and translated by Charles Wendell (Berkeley, CA: University of California Press, 1978), 27-28, 31-34. Cited in The Middle East and Islamic World Reader, edited by Marvin Gettleman and Stuart Schaar (New York: Grove Pres, 2012), 301.

[5] Hasan al-Banna, “Between yesterday and today,” (late 1930s), in Five tracts of Hasan al-Banna, edited and translated by Charles Wendell (Berkeley, CA: University of California Press, 1978), 27-28, 31-34. Cited in The Middle East and Islamic World Reader, edited by Marvin Gettleman and Stuart Schaar (New York: Grove Pres, 2012), 300.

[6] al-Banna, “Between Yesterday and Today,” 300.

[7] Sayyid Qutub, Milestones (1964, rev. ed,.Cedar Rapids, IA: Unity Publishing Co., n.d.), 7-13. Cited in The Middle East and Islamic World Reader, edited by Marvin Gettleman and Stuart Schaar (New York: Grove Press, 2012), 303.

[8] Qutb, Milestones, 305.

[9] Qutb, Milestones, 304.

Leave a comment

Filed under عربي

دروس من نظام التعليم الكندي – عناصر القصة القصيرة

بسم الله الرحمن الرحيم

مدونة رقم ٣٧

 عناصر القصة القصيرة

 القصة هي قطعة من حياة الكاتب ومعرفته وتجربته، يغلفها في اوراق واشرطة ملونة، ليقدمها الى القارئ كما الهدايا. وكم من حياة كانت مؤلمة وحزينة قدمها الكاتب في اطار فكاهي، لينقل للناس معرفة خاصة بظروفة وتخصصه وتجربته، وثم أليس كل انسان فريد في قصة حياته. نتابع اليوم من حيث انتهينا في المدونة السابقة، لنشرح العناصر الهامة من قصص المغزى وكما اكدت سابقا، انما هذه المدونة فاتح شهية لمن يرغب في التعمق والتخصص ولا تشمل ولا تغطي الدرس كله. وانا اشجع الجميع على دراسة كتابة القصة القصيرة او حتى عمل مدونة لكل منهم يوثقون فيها خبرة لا تتكرر، فلربما فيها خير للامة . سنتحدث اليوم عن اسلوب القصة ومراحلها ومن ثم  تعريف عناصرها.

تختلف القصة عن الكتابة العلمية باستعمالها للادوات اللغوية الفنية، فمثلا على الكاتب ان يجعل القارئ يرى مسرح القصة بخياله، لا ان  يخبره عنه سردا. وان يوظف ادوات اللغة واساليب كتابتها حسب مستوى القارئ المتوقع . فتكون مفردات قصص الاطفال ابسط من مفردات قصص الكبار وكذلك التشبيهات والوصف المجازي، وعلى الكاتب ان يتجنب تكرار المفردات، وتساعد قواميس المترادفات المؤلف في ذلك . ويتناسب طول الجمل والفقرات مع رغبة القاص في اسراع القراءة او ابطاءها، فالجمل الاقصر اسرع قراءة. وعليه كذلك الالتزام بظرف الافعال المستعملة في القصة، فاذا كان الفعل ماضي مفرد بسيط فيلتزم الكاتب بذلك، ما عدا عند استعارته قول من احد، فعليه ان يلتزم عندها باصول الاستعارة والاقتباس. وعلى الكاتب ان يتقن او يحسن لغته العربية. تدرس القصة في مدارس كندا  في فصل كامل من اربعة اشهر ولا يتسع المقام هنا لتفصيلها

يبدأ الكاتب بتوصيف مسرح القصة، وصف المكان والزمان واحوال الناس وكل ما يحتاجه القارئ للانغماس في الجو العام للقصة، وصولا الى مكان تواجد شخصيات القصة، وهنا يبدأ في توصيف هؤلاء الاشخاص ويكون مستوى التفصيل في القصة ملتزما بنقطة رؤية الراوي التي اختارها الكاتب. وما ان يبث المؤلف الحياة في الشخصيات ويبدأ في تحريكها حتى تبدأ احداث القصة بالانسياب والتوالي لتولد الازمة او عقدة القصة او الذروة وبعدها يبدأ المؤلف  في حلحلة  الاحداث  تفكيكا للعقدة وصولا الى الخاتمة، حيث يضع الكاتب ما اراد ان يوصله للقارئ من حكمة وبغض النظر ان تم القبض على الجانى او اختَفى، او نجا البطل او مات. وتتميز القصة القصيرة بأنها تتكون من بضع صفحات الى عدة عشرات، وتتسع لبطل رئيسي واحد وعقدة واحدة، بينما نجد ان القصة الطويلة غالبا ما يكون عدد صفحاتها بالمئات، وتتسع للعديد من الشخصيات  .الرئيسية والفصول العديدة ليكون لكل فصل مسرحه واحداثه وعقدته. وترى قارئ القصة البسيط يركز على احداث القصة ويستمتع بها، بينما يركز القارئ المؤهل على الصراع بانواعه الاربعة؛ الصراع بين البطل ونفسه، او مع محيطه، او مع الآخرين، او مع المجهول ، وفهم القارئ  للصراع يعلمه درس الحياة الذي اراده المؤلف

وفيما يلي تعاريف لبعض المصطلحات الاساسية

مسرح القصة: هو مكان وزمان حصولها مع شرح عن اوضاع الناس وحالة الجو وطبيعة المكان من وجود الاشجار والمياه او الصحاري وتوصيف البيوت والمكاتب وكل ما ينقل القارئ الى جو القصة

شخصيات القصة: تدور الاحداث بين بطل القصة وخصمه الرئيسي  تشارك فيها الشخصيات الاخرى المساعدة والمكملة لاحتياجات القصة. ويمكن ان يوصف الكاتب الشخصيات بشكل مباشر، او يوصفها خلال حديث الاخرين عنها و من رد فعل هذه الشخصية لاحداث القصة. يلتزم الكاتب بتقديم شخصيات واقعية نتوقع ان نقابلها في حياتنا اليومية، وان تكون ذات تصرفات مبررة ومقنعة. من انواع الشخصيات المستعملة في القصص، الشخصية الدايناميكية المتطورة، على ان يكون التغير الحاصل مقنعا في حوافزه  ومبررا، وهناك ايضا الشخصيات الثابتة طيلة القصة مثل بواب الفندق، ونذكر ايضا الشخصيات المعروفة والمخزنة والتي لا تحتاج الى توضيح، مثل الحلاق كثير الكلام  ورجل الشرطة القاسي او الفاسد كما في الافلام الاجنبية

نقطة رؤية الراوي: يتم سرد القصة وتوضيحها على لسان  شخصية تعيش مع القارئ، توصف له مسرح القصة وتضئ له ما يدور في خلد وتفكير شخصيات  القصة، وتلازم القارئ تبرر له الاحداث حتى لا يدخل القارئ في تيه وملل. ويمكن تحديد نقطة الرؤية هذه خلال طرح اسئلة مثل، من يسرد القصة، وكم سمح المؤلف للسارد من المعلومات ،واخيرا كم يعطي المؤلف معلومات عن شخصيات القصة من مشاعر وافكار وتصرفات.

  وفي الختام ، اكرر توصيتي لكل الاحباب ان يبدأوا في دراسة كتابة القصة القصيرة خلال اليوتيوب او في الجامعات الموجودة على الانترنيت  ويمكن دائما الالتحاق في الجامعات العادية بالانتساب. احبتي المهم ان نبدأ ونغني لغتنا بمفردات تخصصية جديدة لتصبح لغة النقاش العلمي مرة اخرى، ولا سيما ان اللغة العربية تمتاز بالاشتقاق، فمهما اضفنا من مفردات فان معانيها تكون واضحة بالرجوع الى الجذر الثلاثي للكلمة.  وان نوثق تجارب حياتنا لتكون منهلا لاولادنا لئلا يكرروا اخطاءنا. وسأعود الى كتابة مدونات تتعلق بتاريخ انهيار العالم الاسلامي مرتين بعد سيادته للعالم ونبذة عن اشهر دعاة النهضة في القرنين الماضيين وفكرهم

نسأل الله التوفيق والرشاد

وأسأل احبتي القراء مساعدتي في نشر هذه المدونة وتعميمها ودعوة الآخرين الى الاشتراك فيها ان أحس القراء انها ذات فائدة للامة، مع شكري وامتناني

خالد الكيلاني

Leave a comment

Filed under عربي

دروس من نظام التعليم الكندي

بسم الله الرحمن الرحيم

مدونة رقم ٣٦

اهمية القصة

. ينكب الغربيون على قراءة القصة بنهم شديد.  فتراهم في الحافلات واماكن الانتظار وحتى على شاطئ البحر منغمسين بالقراءة باستمتاع وبتركيز كبيرين والآخرون من الامم التائهة، محتارون اين ينقلوا ابصارهم وكيف يبددوا اعمارهم. وكنت دائما احترم عادة القراءة واحاول ان اقلدها ولكن بكتب جادة حسب رأيي عن الادارة والهندسة وغيرها مستغربا اضاعة الغربيين هذا الوقت باللهو في متابعة خيال كاتب . وصدق جل من قائل في سورة الكهف” وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا” . وقد احطت خبرا بذلك عندما درست القصة  في كندا. لقد تعلمت ان القصة نوعان، نوع  يسمى قصص الهروب،  و هي خيالية وتكتب بغرض التسلية فقط،  ويكون مـؤلفها كالمخترع يبتكر الشخصيات الخارقة للمألوف مثل سوبرمان والرجل العنكبوت وامثالهما. يغني هذا النوع من القصص اللغة المستعملة بالمفردات العلمية  ويعطي الناس احتمالات اوسع لبناء الافكار الجديدة بإستعمال هذه المفردات، او يجهزهم لخيال علمي اصبح قريب التحقق.  اما النوع الثاني فهو قصص المغزى، وهذا النوع هو الاكثر شيوعا والاكثر اقبالا. ويكون مـولفها اشبه بالمستكشف. يسبر اغوار الحياة والنفس البشرية ويسلط الضوء على جانب من واقع هذه الحياة ينسجه مع خبراته ومعارفه ليقدمه للقارئ في اطار قصصي خيالي ممتع. وكم تفيض شاشات التلفاز بالمسلسلات الاجنبية التي تشخص قصصا في مجال التحقيق الجنائي والمحاماة  والطب وغيرها، توسع وتعمق ادراك القارئ وتعلمه مستمتعا.  بينما وللاسف  تكاد تنحصر قصصنا ومسلسلاتنا بسقف الحب والزواج ومجموعة مفردات لا تتجاور الثلاثة الاف مفردة، اصبحت سقفا لتفكيرنا، حتى اننا نجد ان الفتاوي الدينية والاخبار اصبحت نادرا ما تخرج ايضا عن هذا الاطار. ان القصة بانواعها وخاصة قصص المغزى هي من اهم اركان الحفاظ على اللغة حية وفاعلة وهي مخزن لخبرات الافراد ، وتحتاج الى بيئة جادة متكاملة لانهاضها وتشجيعها.

تتراجع  اللغة العربية الى لغة للعبادات والدين لحاقا بما مات قبلها من اللغات مثل اللاتينية والسريانية. تجتر مفردات قديمة لا تخدم التعبير عن  العلوم الحديثة والتفكير والتحليل والنقاش. وترى المؤتمرات العلمية تعقد بالعالم العربي مستعملة اللغة العربية  ربما لقراءة آيات من الذكر الحكيم وتقديم بعض الشخصيات العامة ببضع جمل.  ينقلب المؤتمر بعدها الى الانجليزية او الفرنسية. حتى ان معظم اعلانات المؤتمر تكون باللغة الاجنبية. ولينطلق بعدها المؤتمرون من ابناء العربية بطلاقة وبلهجة رائعة باللغة الاجنبية يحسدهم عليها ابناء تلك اللغة. لكن هؤلاء الابناء، وهم امل الامة ورأسمالها  ومخزن استثمارها، انفصلوا عن جسم امتهم ممن لا يتقنون الاجنبية ولا يمتلكون المفردات بالعربية لفهم ما يحصل والتفاعل معه وانجاحه. ومع الوقت انفصلت الانتلجنسيا العربية عن امتها واصبحت اقرب للغرب فكرا ولغة وثقافة.  ولذلك اصبحت الهجرة اقرب لهذه الانتلجنسيا سبيلا. ولتشكل خسارة رئيسية اخرى تضاف الى خسارات هذه الامة ورافدا اضافيا للآخر. ولكن اذا ما باشر ابناء الامة بكتابة قصص توثق خبراتهم في مختلف مجالات تخصصاتهم بالعربية، تخلدت ذكراهم في تاريخ امتهم، ووثقت خبرتهم قبل ان تفنى بموتهم. وتولدت عندهم مفردات هذه التخصصات، واتضحت الحاجة الى مفردات جديدة تقوم مؤسسة المجمع اللغوي والجامعات ومؤسسات الابحاث بتوفيرها. وتعود اللغة العربية تنضح بالحياة في مختلف التخصصات، لغة حية تواكب التقدم  وتوفرالادوات اللغوية اللازمة للنهضة وللابحاث والمؤتمرات باللغة العربية. كلنا يعلم ان   المفردات هي لبنات بناء الافكار. وكلما زادت اللبنات كلما تنوع البناء وتعاظم وانطلق الابتكار والاختراع

تختزن القصة خبرات الافراد خلال قصص هادفة في اطار ممتع. انها التعلم بسعادة. انها تركز ادراكنا وتعمق احساسنا بواقع لم نعشه تضيئه لنا باستعمال خيالنا. وتختزن القصص هذه الخبرات الانسانية الفردية، التي تشمل خبرة الكاتب ومعرفته في زاوية معينة ينقلها الى الجمهور ممن لم يعيشوا تجارب المؤلف. ولا ننسى اهمية وحجم الخبرات المؤسسية المخزنة في الشركات والمؤسسات والجامعات والتي لا تشمل خصوصيات الفرد التي تغطيها القصص والمذكرات والسير الذاتية. كم تعلمنا من القصص مهارات ومعلومات لم نكن لنمارسها في اطر حياتنا الشخصية. اصبح الذكاء الاصطناعي في مراحل متقدمة من التطوير والتطبيق. وتمثل الروايات بانواعها مستودعا هائلا من الخبرات الفردية. ستمثل هذه الروايات مصدرا لا ينضب من الحلول المجربة لدعم القرار او اتخاذه في المؤسسات العالمية مستقبلا، خبرات ولدت من تجاربهم، تناسب مجتمعاتهم وتحل مشاكلهم. وارى امتنا في المستقبل تشتري نظم الذكاء هذه، لتفشل في حل مشاكلنا لانها بنيت في بيئة اخرى غريبة عنا، ولندفع ثرواتنا ان كان يومها بقي لدينا ما ندفعه. وكما حصل في نظم الحاسوب التي على الرغم مما دفعته الامة ثمنا لها ما زالت بعيدة عن الاستفادة من هذه النظم وحواسيبها وشبكاتها،  لعدم تناغمها مع ثقافتنا واحوالنا وعدم استباق شرائها بتحديد احتياجات المؤسسات باستعمال منهجيات الادارة الاستراتيجية

يدعم كتابة القصة في الغرب كما في باقي نشاطات الامة، بيئة متكاملة داعمة لانجاح كاتب القصة. يقابلها غياب الجهد الحكومي الجاد في العالم العربي. لقد تم تطوير منهجية لكتابة القصة مماثلة لما رأينا سابقا لكتابة المقال. يتم تدريس هذه المنهجية جزءا من المنهاج في المؤسسات التعليمية. لقد تم تخزين خبرات ومعارف الكتاب المشهورين في العالم في هذه المنهجية ، ليساهم الكاتب المبتدئ في تقديم خياله وخبرته وابداعه الفني وحتى لا يضيع جهده بكيف وماذا واين. ان هناك ما لا يحصى من الجامعات ودور البحث وجمعيات الكتاب والمؤلفين  والنقاد والممولين من دور نشر ودعم حكومي مالي من وزارة الثقافة واوقاف مالية داعمة وجوائز تشجيعية وكل ما يخطر على البال وما لا يخطر. لقد انتجت هذه البيئة شعبا مؤلفا وقارئا. سأحاول ان القي الضوء على هذه المنهجية في المدونة القادمة، والتي لا تغني للاتقان عن الدراسة ومتابعة اليوتيوب والدروس الجامعية المتوفرة على الانترنيت من اشهر الجامعات الدولية لمن يتقن اللغات الاجنبية

استطاعت القصة في الغرب ان تغنى اللغة وان تحييها، وان تعمم المعرفة والخبرة لاكبر عدد من الناس. لحقت دول كثيرة  بهذا الطريق، واصبحت تطبع وتؤلف  وتنشر الملايين من الكتب سنويا وبلغاتهاالوطنية، ومنها تركيا كمثل قريب. ان الدول العربية تسطيع ان تضع استراتيجية لنهضة التأليف والقراءة كما تم تفصيله هنا في مدونات سابقة باعتماد اساليب الادارة الاستراتيجية، اذا ارادت البقاء مستقلة واذا رغبت ان لا تندثر بعد نضوب النفط

أسال الله التوفيق والرشاد

وارجو ممن تعجبه المدونة ان يساعدني في نشرها وتعميمها لفائدة عدد اكبر مع الشكر الجزيل

خالد الكيلاني

Leave a comment

Filed under عربي

الحجاب واضطهاد المرأة المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

مثال على المقال

الحجاب واضطهاد المرأة المسلمة

مدونة رقم ٣٥

شهد الشرق الاوسط الحروب الطويلة الطاحنة بين الامبراطوريات القديمة وذلك قبل ظهور الاسلام. لقد تحارب الفرس واليونان لمئات السنين للسيطرة على هذه المنطقة من العالم. وتلى ذلك ظهور الامبراطورية الرومانية التي احتلت الهلال الخصيب اضافة الى شمال افريقيا، وورثتها الامبراطورية البيزنطية. استمرت الحروب للسيطرة على هذه المنطقة طوال التاريخ وحتى يومنا هذا، ظهر الاسلام او لم يظهر، فان الدول العظمى في كل زمان ستحارب للسيطرة الاقتصادية والسياسية على هذه المنطقة الاستراتيجية.١ كان الاحتلال الاوروبي منذ بداية القرن التاسع عشر الى الآن هو آخر هؤلاء الغزاة الطامعين . يعتمد الاوروبيون على اجهزة اعلامهم لشيطنة اعدائهم ووضع غطاء من الاسباب الانسانية المبررة لحربهم. وهم يعلمون ان الصحافة والاعلام والسينما تشكل الرأي العام في اي امة. فترى الغرب يركز على اضطهاد المرأة المسلمة وعلى تخلفها في العالم الاسلامي، وبالمقابل يركز على حقوق الانسان في الصين وعلى حقوق المثليين في روسيا. وعندهم لكل خصم ذلة. قامت الالة الاعلامية الهائلة بالتركيز على الحجاب رمزا لظلم المرأة المسلمة وتخلفها. وعلى الرغم من انتشار الحجاب في كل الامم التي سبقت الاسلام، ومع مطلع القرن التاسع عشر، صاغ الاعلام الغربي من الحجاب رمزا اسلاميا خالصا. وحافظت وسائل الاعلام الغربية حتى يومنا هذا على صورة المرأة المحجبة كنموذج لتخلف المرأة المسلمة ولاضطهادها وعلى اهمية دور العالم الغربي في تحريرها من ظلم المجتمع المسلم الذكوري باحتلال الدول الاسلامية، اخفاء وقناعا للاهداف الاقتصادية والسياسية.

         كان الحجاب منتشرا عند الامم السابقة لظهور الاسلام مثل الاشوريين والفرس واليونان والبيزنطيين. بل كان الحجاب من سمات النخبة في المجتمع الاشوري وعوقبت من لبسته من العوام.٢ انتقل هذا الحجاب الرمز الى فارس وذكره الشاعر خليل مطران في قصيدته الرائعة عن مصرع الوزير الصالح بزرجمهر والذي امر كسرى بقتله بسبب الواشين. فقد حضرت جموع من المنافقين واقعة قتل الوزير ارضاء لكسرى. وهنا قامت ابنته بأمر جلل، فخلعت حجابها وما كانت لتكشف وجهها لو اعتبرت ان الموجودين رجالا، ومن قصيدة طويلة اذكر لكم منها هاذين البيتين

“كنتم كبارا في الحروب أعزّة …….واليوم بتّم صاغرين ضئالا

ما كانت الحسناء ترفع سترها لو ان في هذي الجموع رجالا”

اعتمد الصفويون (١٥٠١-١٧٢٢) والعثمانيون (١٣٥٧-١٩٢٤) الحجاب غطاء رأس للطبقة الحاكمة وامتد ليشمل سكان المدن في هاتين الامبراطوريتين.٣ كان لباس الرجال والنساء في العالم الاسلامي  متماثلا في تغطية كامل الجسم ما عدا الوجه واليدين والقدمين. تبنى الرجال المسلمون اللباس الاوروبي اسرع من النساء في الفترة الاستعمارية الاخيرة. وهنا اطلقت الدول الاوروبية حملتها بتركيز واضح على الحجاب.

            حشدت الدول الاوروبية جيشا من المستشرقين والمبشرين لشن حملة ضد الاسلام وظلمه للمرأة وتجهيلها وتخلفها، وجعلت ذلك واجهة انسانية لتبرير احتلال اوروبا للعالم الاسلامي، وكان في الحقيقة طمعا في السيطرة على اسواق المنطقة والقضاء على اللباس التقليدي واستبداله بمنتجات الثورة الصناعية. وانتج المستشرقون صورة سلبية للمرأة المسلمة. وظهرت مقولة المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق الرجل الابيض لتحضير الامم المتخلفة. وبينما كانت الدول الاوروبية تحارب الحجاب ومن وراءه الاسلام جهارا نهارا في تركيا ومصر وايران، كانت تدعم الحجاب والتشدد في الجزيرة العربية. لقد كان لحملة الشرطة الايرانية لمنع لبس الحجاب بالقوة في الاماكن العامة اثرا سلبيا على حرية الايرانيات الاجتماعية والاقتصادية والدينية. اذ لم يعدن قادرات على مغادرة بيوتهن لاداء زياراتهن ونشاطاتهن. وفي هذه الفترة ترسخ الحجاب في الفكر الغربي رمزا للاسلام ولظلم المرأة واضطهادها، على الرغم من ان الحجاب استمر مستعملا لدى النخبة من الاوروبيين ولغاية بداية القرن العشرين وكما يظهر في فيلم يصور جنازة امبراطور النمسا فرانس جوزيف عام ١٩١٦. ٤ وما زالت النساء الارثوذكس يضعن الحجاب في مناطق كثيرة من العالم، ويضعنه لزاما في الكنائس. كما وقامت الكنيسة الكاثوليكية باعفاء الراهبات من الحجاب الكامل في ستينيات القرن العشرين فقط. وحافظ الاعلام الغربي على حملة الكراهية والتعبئة والتحريض ضد الاسلام والحجاب الى يومنا هذا.

             الاعلام والسينما وحديثا الانترنت هم مصنع الرأي العام في اي امة وفي العالم. لقد صور الاعلام المرأة الغربية على انها تقدمية، تحررية، مثقفة ومستقلة. وحافظ على صورة المسلمة المحجبة كمرأة جاهلة غامضة متخلفة.٥ والادهى من ذلك وامر، انه يذكر قصص المسلمات الكنديات في صفحات الاخبار الاجنبية ويغسل دماغ القراء بانها الآخر المختلف على الرغم من وجود الملايين منهن يحملن جنسيات العالم الغربي الذي يدعي المساواة والعدل. ولا يغير الرأي العام وجود الكثيرات من المسلمات المتعلمات والعاملات في مختلف الوظائف. وقد ذكرت الكاتبة الكندية هوما هودفار، وهي من اصل ايراني، واستاذة في جامعة كونكورديا في مونتريال كندا، انها لم تحب تسريحة شعرها يوما، فوضعت غطاء رأس ملون خفيف لاخفاء هذه التسريحة، وفوجئت بان كثيرين من زملائها جاءوا ليستفسروا عن سبب تشددها ولبسها الحجاب. بينما كانت تعمل معهم في الجامعة فتاة بيضاء قد اعتنقت الاسلام ولبست حجابا مشدودا لا يظهر شيئا من شعرها ولمدة عام لم يراجعها احد بخصوصه، وعندما ذكرته الدكتورة هوما لهم قالوا انهم اعتقدوا انه موضة. كما وقد ظهر في الصحافة في فترة معينة ثلاثة وعشرين مقالا عن النساء المسلمات، ركز عشرون منها على الحجاب، وكأنه الموضوع الوحيد في حياة المرأة المسلمة.٦

           واخيرا، ساعد ظهور الانترنت في تصوير معاناة المسلمين من الاحتلال الغربي لبلادهم، وفي تصوير معاناة النساء والاطفال،  وفضح كثيرا من الكذب كاسلحة الدمار الشامل في العراق. كما وازداد عدد المسلمات المؤهلات للدفاع عن قضية المرأة المسلمة، وان الكثيرات منهن محجبات وناجحات، ويعملن في اعلى الوظائف والتخصصات وساهمن في كشف ظلم الهجمة على الاسلام ممثلة بالحجاب، وخاصة من ولد وتربى منهن في العالم الغربي ودرسن في مدارسه وتعلمن اساليب النقاش المنطقي لا العاطفي. وما زلن بحاجة الى التعمق في علوم العلاقات العامة والمحاججة والمنطق. كما وان المعتنقات الجدد من النساء الغربيات هم اصلب عودا واوضح حجة في ذلك. ويساعد في دحض حجج الاعلام ان ثلاثة ارباع المتحولين الى الاسلام هن من النساء وغالبيتهن من ذوات التعليم العالي، ولو وجدن في الاسلام عائقا او اضطهادا او ظلما للنساء لما اتبعنه.

١ Fuller, Graham. A world without Islam: https://www.youtube.com/watch?v=ZibAJHZrOg4

٢ Homa Hoodfar. The Veil in Their Minds and On Our Heads

٣ Eposito 1988

٤ https://www.youtube.com/watch?v=R1wEpzKG5IY

٥ Homa Hoodfar. The Veil in Their Minds and On Our Heads

٦ KATHERINE H. BULLOCK AND GUL JOYA JAFRl. Media (Mis)Representations, Muslim Women in The Canadian Nation

 

2 Comments

Filed under عربي

منهجية كتابة المقال

بسم الله الرحمن الرحيم

مدونة رقم ٣٣

منهجية كتابة المقال

ابدع الخوارزمي في وضع اسس علم الجبر وفي تطوير التسلسل المنطقي لتنفيذ الاعمال حتى أطلق الغرب عليه لقب “أبي الجبر” وعنه اخذوا علم الخوارزميات التي اطلقوا عليها اسم Algorithms اشتقاقا من اسمه وتخليدا لذكرى هذا العالم المسلم المبدع. تم اعتماد هذا العلم منهجا في الحياة الغربية، ابتداء من كتب الطهي الى انتاج السيارات مرورا بكتابة المقال. للمقال انواع كثيرة، منها التحليلي ومنها المقارن والقصصي والشخصي وغيره، ولكن فكرتها الاساسية واحدة. سنوثق ادناه خطوات كتابة المقال بتسلسل منطقي يسهل تنظيم فكر الكاتب ويساعدته على توثيق الفكرة وايصالها بيسر الى القارئ.

تتكون منهجية كتابة المقال من الخطوات التالية:

أولا، فهم وتحديد فكرة المقال، وهل فكرة المقال من الكاتب نفسه ام مطلوبة منه لعمل او لبحث علمي او لامتحان.

ثانيا، تحديد عدد كلمات المقال المطلوب، ففي الدراسة يحدد الاستاذ طول المقال، فمثلا يكون من صفحتين اي حوالي ٦٠٠ ستمائة كلمة وبحجم الحرف ١١، اوثلاث صفحات اي حوالي تسعمائة كلمة او حسب الحاجة . وعلى كاتب المقال ان يجعل فكرته محددة بالحجم المطلوب.

ثالثا، يتم وضع فكرة المقال في جملة وهي جملة المقال ويضاف اليها موقف الكاتب من المقال مؤيدا او معارضا، وتتشكل من الاثنتين فرضية المقال، وهي في الغالب جملة واحدة او جملتان ان احتاج الامر، تحدد لقارئ المقال فكرة المقال وموقف الكاتب وبالتالي ما يتوقعه القارئ من المقال. يتم هنا تطوير عنوان المقال من كلمات رئيسية تعكس موضوع المقال.

رابعا، يتم كتابة مسودة الافكار التي ترد على بال الكاتب دعما للموقف الذي حدده من فكرة المقال، كما ويمكن توثيق اهم الافكار المعارضة لموقفه. ويمكن الاستعانة  هنا بتقنية الخرائط الذهنية لتوثيق التفصيل الداعم لفرضية المقال. ويحبذ وضع ستة الى سبعة افكار داعمة واختيار الثلاث الاقوى منها، والتي يتوفر لدى الكاتب معلومات وحجج تدعمها. ويشكل كل دفاع من هذه الدفاعات الثلاث موضوعا لفقرة في المقال. او  يعتمد الكاتب دفاعين (أي فقرتين) في صالح فرضية المقال وفقرة ثالثة تفند الهجوم الاساسي على الفرضية.

 خامسا، على الكاتب ان يتبنى وجهة نظر واحدة بالكتابة من ناحية ضمير المتكلم ، فاما ان يكتب بضمير الحاضر المفرد، او الغائب المفرد وان لا يقفز من احدهما للآخر.

سادسا، كما يتوجب على الكاتب ان يحدد ظرف الفعل، فيكون الفعل ماضي او حاضر في سياق الكلام ما امكن.

سابعا، يتكون المقال في الغالب من خمسة اجزاء اضافة الى العنوان، وهي المقدمة والفقرات الثلاث الداعمة والخاتمة . ويستطيع الكاتب ان يضع فقرات دفاع اكثر، ولكن يتوجب الحذر من الاطالة.

أورد فيما يلي تفصيلا لهذه الاجزاء الخمسة:

– المقدمة:  يشمل السطر الاول من المقدمة حكمة او سؤالا او اقتباسا او جملة بليغة، تجذب القارئ للاستمرار في القراءة، وتكون عامة ولكن قريبة من فرضية المقال. يتم ربط هذا السطر بفرضية المقال بسطور ثلاث تمهيدية ويكون السطر الاخير في المقدمة هو فرضية المقال. وهنا يقرأ العارف للمنهجية السطر الاخير من المقدمة فيفهم فكرة المقال وموقف الكاتب.

– فقرات الدفاع الثلاث:  يمثل السطر الاول من كل فقرة هذ الفقرات خلاصة  دفاع الفقرة عن فرضية المقال. يمكن ان يتبع هذا السطر ربطا لهذا الدفاع بفقرة الدفاع السابقة ان كانت الفقرة الثانية او الثالثة، ويتبع ذلك ثلاث معلومات او افكار او اقتباسات  او امثلة داعمة للدفاع، يلي ذلك سطر خاتمة للفقرة يلخص فكرتها ثم سطر رابط لهذا الدفاع بالدفاع الذي يليه ان وجد. ومن المهم جدا ان لا ينزلق الكاتب هنا الى مواضيع جانبية لا تفيد في دعم فرضية المقال.

– الخاتمة: اول سطر من الخاتمة يعيد ذكر فرضية المقال بمفردات اخرى تذكيرا للقارئ. بعدها يذكر السطر التالي الفكرة التي يأمل الكاتب ان يخرج بها القارئ من المقال، ثم ما هو العمل المطلوب او المتوقع من القارئ ان يقوم به نتيجة لذلك. يتم بعدها تعميم الفرضية الى الفضاء الاوسع. وتمثل الخاتمة مثلثا  يبدأ بالخاص وهو فرضية المقال، ويذهب الى العام وذلك عكس المقدمة والتي تبدأ بالموضوع العام ، وينتهي المثلث بالفرضية او الخاص.

 فيما يلي بعض الأفكار العامة التي يجدر مراعاتها في كتابة المقال:

– على الكاتب تجنب تكرار المفردات ما امكن تلافيا للركاكة وملل القارئ.

– يجب الاشارة الصحيحة للمصادر التي تنقل عنها الاقتباسات او النصوص.

– يجب الالتزام بفكرة واحدة في كل فقرة دفاع.

– ان تتم اعادة قراءة المقال عدة مرات من قبل الكاتب او احد المؤهلين لنقده.

– تدقيق المقال من ناحية القواعد اللغوية والاملاء والتشكيل ان لزم واشارات الوقف من همزة ونقطة.

وفي الخاتمة، اود ان اؤكد ان كتابة المقال مهارة يلزمها حفظ منهجيتها أو تسلسلها المنطقي وتكرار استعمالها حتى تحفر في ذاكرة الكاتب، وما اروع ان يقرأ قارئ مؤهل لكاتب مؤهل. فمجرد قراءة آخر سطر في مقدمة المقال واول سطر  في كل فقرة دفاع، واول سطرين في الخاتمة، يصل القارئ الى مجمل المقال. ساحاول في المدونة التالية ان التزم بكل ما ذكرته اعلاه ليكون نموذجا وايضاحا لما ورد هنا.

نسأل الله التوفيق والرشاد.

خالد الكيلاني

Leave a comment

Filed under عربي