الحجاب واضطهاد المرأة المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

مثال على المقال

الحجاب واضطهاد المرأة المسلمة

مدونة رقم ٣٥

شهد الشرق الاوسط الحروب الطويلة الطاحنة بين الامبراطوريات القديمة وذلك قبل ظهور الاسلام. لقد تحارب الفرس واليونان لمئات السنين للسيطرة على هذه المنطقة من العالم. وتلى ذلك ظهور الامبراطورية الرومانية التي احتلت الهلال الخصيب اضافة الى شمال افريقيا، وورثتها الامبراطورية البيزنطية. استمرت الحروب للسيطرة على هذه المنطقة طوال التاريخ وحتى يومنا هذا، ظهر الاسلام او لم يظهر، فان الدول العظمى في كل زمان ستحارب للسيطرة الاقتصادية والسياسية على هذه المنطقة الاستراتيجية.١ كان الاحتلال الاوروبي منذ بداية القرن التاسع عشر الى الآن هو آخر هؤلاء الغزاة الطامعين . يعتمد الاوروبيون على اجهزة اعلامهم لشيطنة اعدائهم ووضع غطاء من الاسباب الانسانية المبررة لحربهم. وهم يعلمون ان الصحافة والاعلام والسينما تشكل الرأي العام في اي امة. فترى الغرب يركز على اضطهاد المرأة المسلمة وعلى تخلفها في العالم الاسلامي، وبالمقابل يركز على حقوق الانسان في الصين وعلى حقوق المثليين في روسيا. وعندهم لكل خصم ذلة. قامت الالة الاعلامية الهائلة بالتركيز على الحجاب رمزا لظلم المرأة المسلمة وتخلفها. وعلى الرغم من انتشار الحجاب في كل الامم التي سبقت الاسلام، ومع مطلع القرن التاسع عشر، صاغ الاعلام الغربي من الحجاب رمزا اسلاميا خالصا. وحافظت وسائل الاعلام الغربية حتى يومنا هذا على صورة المرأة المحجبة كنموذج لتخلف المرأة المسلمة ولاضطهادها وعلى اهمية دور العالم الغربي في تحريرها من ظلم المجتمع المسلم الذكوري باحتلال الدول الاسلامية، اخفاء وقناعا للاهداف الاقتصادية والسياسية.

         كان الحجاب منتشرا عند الامم السابقة لظهور الاسلام مثل الاشوريين والفرس واليونان والبيزنطيين. بل كان الحجاب من سمات النخبة في المجتمع الاشوري وعوقبت من لبسته من العوام.٢ انتقل هذا الحجاب الرمز الى فارس وذكره الشاعر خليل مطران في قصيدته الرائعة عن مصرع الوزير الصالح بزرجمهر والذي امر كسرى بقتله بسبب الواشين. فقد حضرت جموع من المنافقين واقعة قتل الوزير ارضاء لكسرى. وهنا قامت ابنته بأمر جلل، فخلعت حجابها وما كانت لتكشف وجهها لو اعتبرت ان الموجودين رجالا، ومن قصيدة طويلة اذكر لكم منها هاذين البيتين

“كنتم كبارا في الحروب أعزّة …….واليوم بتّم صاغرين ضئالا

ما كانت الحسناء ترفع سترها لو ان في هذي الجموع رجالا”

اعتمد الصفويون (١٥٠١-١٧٢٢) والعثمانيون (١٣٥٧-١٩٢٤) الحجاب غطاء رأس للطبقة الحاكمة وامتد ليشمل سكان المدن في هاتين الامبراطوريتين.٣ كان لباس الرجال والنساء في العالم الاسلامي  متماثلا في تغطية كامل الجسم ما عدا الوجه واليدين والقدمين. تبنى الرجال المسلمون اللباس الاوروبي اسرع من النساء في الفترة الاستعمارية الاخيرة. وهنا اطلقت الدول الاوروبية حملتها بتركيز واضح على الحجاب.

            حشدت الدول الاوروبية جيشا من المستشرقين والمبشرين لشن حملة ضد الاسلام وظلمه للمرأة وتجهيلها وتخلفها، وجعلت ذلك واجهة انسانية لتبرير احتلال اوروبا للعالم الاسلامي، وكان في الحقيقة طمعا في السيطرة على اسواق المنطقة والقضاء على اللباس التقليدي واستبداله بمنتجات الثورة الصناعية. وانتج المستشرقون صورة سلبية للمرأة المسلمة. وظهرت مقولة المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق الرجل الابيض لتحضير الامم المتخلفة. وبينما كانت الدول الاوروبية تحارب الحجاب ومن وراءه الاسلام جهارا نهارا في تركيا ومصر وايران، كانت تدعم الحجاب والتشدد في الجزيرة العربية. لقد كان لحملة الشرطة الايرانية لمنع لبس الحجاب بالقوة في الاماكن العامة اثرا سلبيا على حرية الايرانيات الاجتماعية والاقتصادية والدينية. اذ لم يعدن قادرات على مغادرة بيوتهن لاداء زياراتهن ونشاطاتهن. وفي هذه الفترة ترسخ الحجاب في الفكر الغربي رمزا للاسلام ولظلم المرأة واضطهادها، على الرغم من ان الحجاب استمر مستعملا لدى النخبة من الاوروبيين ولغاية بداية القرن العشرين وكما يظهر في فيلم يصور جنازة امبراطور النمسا فرانس جوزيف عام ١٩١٦. ٤ وما زالت النساء الارثوذكس يضعن الحجاب في مناطق كثيرة من العالم، ويضعنه لزاما في الكنائس. كما وقامت الكنيسة الكاثوليكية باعفاء الراهبات من الحجاب الكامل في ستينيات القرن العشرين فقط. وحافظ الاعلام الغربي على حملة الكراهية والتعبئة والتحريض ضد الاسلام والحجاب الى يومنا هذا.

             الاعلام والسينما وحديثا الانترنت هم مصنع الرأي العام في اي امة وفي العالم. لقد صور الاعلام المرأة الغربية على انها تقدمية، تحررية، مثقفة ومستقلة. وحافظ على صورة المسلمة المحجبة كمرأة جاهلة غامضة متخلفة.٥ والادهى من ذلك وامر، انه يذكر قصص المسلمات الكنديات في صفحات الاخبار الاجنبية ويغسل دماغ القراء بانها الآخر المختلف على الرغم من وجود الملايين منهن يحملن جنسيات العالم الغربي الذي يدعي المساواة والعدل. ولا يغير الرأي العام وجود الكثيرات من المسلمات المتعلمات والعاملات في مختلف الوظائف. وقد ذكرت الكاتبة الكندية هوما هودفار، وهي من اصل ايراني، واستاذة في جامعة كونكورديا في مونتريال كندا، انها لم تحب تسريحة شعرها يوما، فوضعت غطاء رأس ملون خفيف لاخفاء هذه التسريحة، وفوجئت بان كثيرين من زملائها جاءوا ليستفسروا عن سبب تشددها ولبسها الحجاب. بينما كانت تعمل معهم في الجامعة فتاة بيضاء قد اعتنقت الاسلام ولبست حجابا مشدودا لا يظهر شيئا من شعرها ولمدة عام لم يراجعها احد بخصوصه، وعندما ذكرته الدكتورة هوما لهم قالوا انهم اعتقدوا انه موضة. كما وقد ظهر في الصحافة في فترة معينة ثلاثة وعشرين مقالا عن النساء المسلمات، ركز عشرون منها على الحجاب، وكأنه الموضوع الوحيد في حياة المرأة المسلمة.٦

           واخيرا، ساعد ظهور الانترنت في تصوير معاناة المسلمين من الاحتلال الغربي لبلادهم، وفي تصوير معاناة النساء والاطفال،  وفضح كثيرا من الكذب كاسلحة الدمار الشامل في العراق. كما وازداد عدد المسلمات المؤهلات للدفاع عن قضية المرأة المسلمة، وان الكثيرات منهن محجبات وناجحات، ويعملن في اعلى الوظائف والتخصصات وساهمن في كشف ظلم الهجمة على الاسلام ممثلة بالحجاب، وخاصة من ولد وتربى منهن في العالم الغربي ودرسن في مدارسه وتعلمن اساليب النقاش المنطقي لا العاطفي. وما زلن بحاجة الى التعمق في علوم العلاقات العامة والمحاججة والمنطق. كما وان المعتنقات الجدد من النساء الغربيات هم اصلب عودا واوضح حجة في ذلك. ويساعد في دحض حجج الاعلام ان ثلاثة ارباع المتحولين الى الاسلام هن من النساء وغالبيتهن من ذوات التعليم العالي، ولو وجدن في الاسلام عائقا او اضطهادا او ظلما للنساء لما اتبعنه.

١ Fuller, Graham. A world without Islam: https://www.youtube.com/watch?v=ZibAJHZrOg4

٢ Homa Hoodfar. The Veil in Their Minds and On Our Heads

٣ Eposito 1988

٤ https://www.youtube.com/watch?v=R1wEpzKG5IY

٥ Homa Hoodfar. The Veil in Their Minds and On Our Heads

٦ KATHERINE H. BULLOCK AND GUL JOYA JAFRl. Media (Mis)Representations, Muslim Women in The Canadian Nation

 

2 Comments

Filed under عربي

2 responses to “الحجاب واضطهاد المرأة المسلمة

  1. Sari Otaqui

    Thank you Khaled very interesting, I wish we could hear him today as the lecture must have been just after the Tunisian revolution about 4 years agoCheersSari

    Date: Sun, 1 Mar 2015 06:26:02 +0000
    To: sariotaqui@hotmail.com

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s