بسم الله الرحمن الرحيم
مدونة ٢٧
الحلم والكرم
يتباهى العرب بالحلم والكرم وتغنوا بهما شعرا وقصوهما نثرا.
كان حاتم الطائي يشعل النار في الليل ليأتيه التائه والجائع والعطشان. وفي ايام مجاعة شديدة و كان لم يتبقى لديه طعام في بيته ، نام اطفاله جياعا. جاءه ضيوف يشكون جوعهم وجوع اطفالهم، فقام الى فرسه العزيزة الى نفسه فذبحها واطعم الجياع من ضيوفه واطعم اولاده واطعم اهل الحي ولم يمد يده الى طعام ونام جائعا.
جاءت ابنة حاتم الطائي بين السبايا، عرفت نفسها الى الرسول ص فاطلقها واكرمها اكراما لوالدها، الذي وافته المنية قبل البعثة
ملأ الامير معن بن زائدة الدنيا حلما وكرما، وقصته مع اعرابي سليط، دفع له بعض الاشرار مالا لاستفزاز سيد الحلم والكرم . دخل عليه الاعرابي يلبس جلد جمل ذبحه قبل دخوله والدم ما زال ينقط منه وبادره بقصيدة منها
اتذكر اذ لحافك جلد شاة واذ نعلاك من جلد البعير
اقره الامير بانه كان فقيرا، وما زال يحلم به ويكرمه حتى اعترف البدوي بانه مدفوع ومدح الامير في نهاية القصيدة بقوله
سألت الله ان يبقيك ذخرا فما لك في البرية من نظير
وذهب الامير معن مثلا في الحلم والكرم
وكأن حلم وكرم الاجداد قد تم تعديله وتدجينه، لقد كان حلمهم وكرمهم لغريب محتاج، لفقير أو لابن سبيل انعدمت وسائله، اي لمن لا يعرف ولا يرجو منه سدادا. وجاء الاسلام فأقر هذه الحالات ووضع لها ابوابا في الزكاة.
ان الحلم والكرم في ايامنا هذه لا يدعو كثيرا الى الفخر، فقد اصبح محصورا في اغلب الاحيان في الاقارب والمعارف واصحاب الجاه والنفوذ ممن نرجو منهم سدادا ومردودا. وسقط من كرمنا اصحاب الحاجة والعوز ومن هو منقطع في غربة
لو كان كرمنا حقيقيا لما كانت احوال الفقراء من امتنا بهذا الحال، لاجئين كانوا او مقيمين معدمين
تكشف قيادة السيارة في معظم بلادنا قلة الكرم وانعدام الحلم ، ذلك لأن سائق السيارة المجاورة غريبا عنا لا نرجو منه سدادا أو خيرا.
في معظم البلدان المتقدمة، ما ان تعطي اشارة للانتقال الى المسار المجاور حتى يتوقف السير في ذلك المسار لفتح المسار لك، لانتقال آمن سلس، يكرموك دون ان يعرفوك، بينما تتسارع عندنا السيارات لاقفال ذلك المسار في وجهك. والاسوأ من ذلك ، اقفال السير في وجه سيارات الاسعاف والشرطة، حيث يمكن ان نكون سببا في وفاة غريب او قريب . وصدق المثل القائل “من امن العقاب أساء ” الادب
وحدث عن بذخ الولائم للمتخمين، وشح النفس للمحتاجين. ولا اريد ان اعمم
هل سنقبل ان يبقى الحلم والكرم الحقيقيين أو ما تبقى منهما، في غرفة العناية المركزة ليتم دفنهما في مقبرة الخنساء والمعتصم، ام نتعاهد على ان نحيي عادات فاضلة وآيات فاصلة
نسأل الله التوفيق والرشاد
خالد الكيلاني